للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاتَ ليلةٍ في صلاتي فإذا بها - يعني الحوراء - تنبهني وتقولُ: يا أبا سليمانَ

أترقدُ وأنا أُربَّى لك في الخدرِ منذ خمسمائة سنة.

وفي رواية عنهُ: أنه نام ليلةً في سجودهِ قالَ: فإذا بها قدْ ركضتني بِرِجْلِهَا وقالتْ: حبيبي أترقدُ عيناكَ والملكُ يقظانُ ينظرُ إلى المتهجدينَ في تهجدِهم؟ بؤسًا لعينٍ آثرت لذةَ نومٍ على مناجاةِ العزيزِ، قمْ فقدْ دنا الفراغُ ولقيَ المحبونَ بعضهم بعضًا، فما هذا الرقادُ يا حبيبي وقرةَ عيني؟

أترقدُ عيناكَ وأنا أُربَّى لكَ في الخدورِ منذ خمسمائةِ عامٍ؟

فوثبَ فزعًا وقد عرقَ من توبيخهَا له، قالَ:

وإن حلاوةَ منطقها لفي سمعي وقلبي.

وكان أبو سليمانَ يقولُ: أهلُ الليلِ في ليلهِم ألذ من أهل اللهو في

لهوهم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاءَ في الدنيا.

وقال يزيدُ الرقاشي لحبيبٍ العجميِّ: ما أعلمُ شيئًا أقرّ لعيونِ العابدينَ في

الدنيا من التهجدِ في ظلمةِ الليلِ، وما أعلم شيئًا من نعيم الجنانِ وسرورها

ألذُّ عند العابدينَ ولا أقرَّ لعيونِهم من النظرِ إلى ذي الكبرياءِ العظيم إذا رُفعتْ

تلكَ الحجب، وتجلَّى لهم الكريم، فصاحَ حبيبٌ عندَ ذلكَ وخرَّ مغشيا عليه.

وكانَ السريُّ يقول: رأيتُ الفوائدَ تردُ في ظلامِ الليلِ.

وقالَ أبو سليمان: إذا جنَّ الليلُ وخلا كلُّ محبٍّ بحبيبهِ افترشَ أهلُ المحبةِ

أقدامَهُم، وجرتْ دموعُهم على خدودهِم، أشرفَ الجليلُ جل جلالهُ فنادَى يا جبريلُ بعيني من تلذذَ بكلامي واستروحَ إلى مناجاتي، نادِ فيهم يا جبريلُ ما

هذا البكاءُ هل رأيتُم حبيبًا يعذِّب أحباءَهُ أم كيفَ يجملُ بي أن أعذِّبَ قومًا إذا

جنَّهُمُ الليلُ تملَّقُوني، فبي حلفتُ، إذا قدِموا عليَّ يوم القيامةِ لأكشفنَّ لهمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>