للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعجبهُ الجوامعَ من الدعاءِ ويدعُ ما بينَ ذلكَ ".

خرَّجه أبو داود.

وقوله: "وحب المساكين " هذا قد يقال إنهُ من جملةِ فعلِ الخيراتِ وإنَّما أفرده

بالذكرِ لشرفهِ وقوةِ الاهتمامِ به، كما أفردَ أيضًا ذكرَ حبِّ اللَّهِ تعالى وحبِّ

من يحبُّه وحبِّ عملٍ يبلِّغهُ إلى حبِّه، وذلكَ أصلُ فعلِ الخيراتِ كلِّها، وقد

يُقال: إنه طلبَ من اللَّهِ عز وجل أن يرزقهُ أعمال الطاعاتِ بالجوارح، وتركَ

المنكراتِ بالجوارح، وأن يرزقَهُ ما يوجبُ له ذلكَ وهو حبُّه وحبُّ من يحبُّه.

حبُّ عملٍ يبلغهُ حبَّه، فهذه المحبةُ بالقلبِ موجبة لفعل الخيراتِ بالجوارح

ولتركِ المنكراتِ بالجوارح، وسأل اللَّهَ تعالى أن يرزقَهُ المحبةَ فيه، فقد تضمنَ

هذا الدعاءُ سؤال حبِّ اللهِ عز وجل وحبِّ أحبابِهِ، وحبِّ الأعمال التي

تقرِّبُ من حبِّه والحبِّ فيه، وذلكَ يقتضي فعلَ الخيراتِ كلِّها ويتضمنُ تركَ

المنكراِت، والسلامةَ من الفتنِ، وذلكَ يتضمنُ اجتنابَ الشرّ كلِّه فجمعَ هذا

الدعاءُ طلبَ خير الدنيا وتضمنَ سؤال المغفرةِ والرحمةِ وذلكَ يجمعُ خيرَ

الآخرةِ كلَّه فجمعَ هذا الدعاءُ خيري الدنيا والآخرةِ.

والمقصودُ أنَّ حبَّ المساكين أصل الحبِّ في اللَّهِ تعالى؛ لأن المساكينَ ليسَ

عندهم من الدنيا ما يوجبُ محبَّتهم لأجلهِ فلا يحبونَ إلا للَّهِ عز وجل والحبُّ

في اللَّهِ من أوثقِ عُرى الإيمان، ومن علاماتِ ذوقِ حلاوةِ الإيمانِ، وهو

صريحُ الإيمانِ، وهو أفضلُ الإيمانِ، وهذا كلُّه مرويّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه وصفَ به الحبَّ في اللَّهِ تعالى.

ورُويَ عن ابن عباسٍ أنه قال:

"به تنال ولايةُ اللَّهِ وبه يوجدُ طعم الإيمانِ ".

وحبُّ المساكين قد أوصَى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - غيرَ واحدٍ من أصحابهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>