للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قذفَ اللَّهُ في قلبِهِ نورَ الاشتياقِ إليهِ، وقالَ بعضُ التابعينَ: علامةُ حبِّ اللَّه

كثرةُ ذكر، فإنكَ لن تحبَّ شيئًا إلا أكثرتَ ذكرَهُ، وقالَ فتحٌ الموصليُّ: المحبُّ للهِ لا يجدُ مع حبِّ اللهِ للدنيا لذةً ولا يغفلُ عن ذكرِ اللَّهِ طرفَة عينٍ.

المحبونَ إن نطقوا نطقُوا بالذكرِ، وإن سكتُوا اشتغلوا بالفكرِ:

فإن نطقتُ فلم ألفظْ بغيركم. . . وإن سكتُّ فأنتم عند إضْمارِي

ومن علامات المحبينَ للهِ وهو مما يحصلُ به المحبةُ أيضًا حبُّ الخلوةِ بمناجاةِ

اللَّهِ تعالى وخصوصًا في ظلمةِ الليلِ:

الليلُ لي ولأحبابي أسامرُهم. . . قد اصطفيتُهم كي يسمعوا ويعوا

قالَ الفضيلُ: يقولُ اللَهُ عز وجل:

كذبَ من ادَعَى محبَّتي فإذا جَنَّهُ الليلُ نام عنِّي.

أليسَ كل حبيبٍ يحبُّ الخلوةَ بحبيبهِ؟

ها أنا مُطَّلعٌ على أحبابي إذا جنَّهُمُ الليلُ جعلتُ أبصارهُم في قلوبهم، ومثلتُ نفسِي بينَ أعينِهم فخاطبوني على المشاهدةِ، وكلَّموني على حضوري، غدًا أقرُّ عينَ أحبَابي في جنَاتي:

تنامُ عيناكَ وتشكُو الهوى. . . لو كنتَ صبًّا لم تكنْ نائمًا

قلوبُ المحبينَ جمرةٌ تحتَ فحمةِ الليلِ كلما هبَّ عليها نسيمُ السحرِ

التهبَتْ، وأنشد:

يذكِّرُني مرُّ النسيم عهودكمُ. . . فأزدادُ شوقًا كلَّما هبتِ الريحُ

أرَاني إذا ما أظلمَ الليلُ أشرقتْ. . . بقلبِي منْ نارِ الغرامِ مصابيحُ

كلما جنَ الغاسقُ حن العاشقُ.

لو أنَّكَ أبصرتَ أهلَ الهوى. . . إذا غابتِ الأنجمُ الطُّلعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>