للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخلصُوا في قولِها، وصدَّقُوا قولَهم بفعلِهِم، فلم يلتفتوا إلى غيرِ اللَّهِ محبةً

ورجاءً وخشيةً وطاعةً وتوكُلاً، وهم الذين صدَقُوا في قولِ:

"لا إله إلا اللَّه " وهم عبادُ اللَّه حقًا، فأمَّا من قالَ: "لا إله إلا اللَّه "

بلسانِهِ، ثم أطاعَ الشيطانَ وهواه في معصيةِ اللَّهِ ومخالفتِهِ فقدْ كذَّبَ فعلُه قولَهُ، ونقصَ من كمالِ توحيدِهِ بقدرِ معصيةِ اللهِ في طاعةِ الشيطانِ والهوى

(وَمَنْ أَضَلّ مِمنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) .

(وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) .

فيا هذا كنْ عبدًا للَّه لا عبدًا للهوى، فإنَّ الهوى يهوِي بصاحبِهِ في النارِ:

(أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) .

تعسَ عبدُ الدرهم! تعسَ عبدُ الدينارِ! واللهِ لا ينجُو غدًا من عذابِ اللَّه

إلا من حقَّقَ عبوديةَ اللَّه وحدَهُ، ولم يلتفتْ إلى شيءٍ من الأغيار، من عَلِمَ

أنَّ إلهه فردٌ، فليُفْردْهُ بالعبوديةِ (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ".

كان بعضُ العارفينَ يتكلَّم على أصحابِهِ على رأسِ جبلٍ، فقالَ في كلامِهِ:

لا ينالُ أحدٌ مرادَه حتى ينفردَ فردًا بفردٍ، فانزعجَ واضطربَ، حتى رأى

أصحابُهُ أنَّ الصخورَ قد تدكْدكتْ، وبقي على ذلك ساعةً، فلمَّا أفاق فكأنَّه

نُشِرَ من قبرِهِ.

قولُ: "لا إله إلا اللَّهُ " تقتَضِي أنْ لا يُحبَّ سواهُ، فإنَّ الإلهَ هو الذي

يُطاعُ، فلا يعصى محبةً وخوفًا ورجاءً، ومن تمام محبته محبَّةُ ما يحبُّه.

وكراهةِ ما يكرَهُهُ، فمنْ أحبَّ شيئًا مما يكرهُهُ اللَّهُ، أو كرِهَ شيئًا مما يحبُّه اللَّهُ

لم يكملْ توحيدُه وصدقه في قولِ: "لا إله إلا اللَّهُ "، كان فيه من

الشركِ الخفيِّ بحسبِ ما كرههُ مما يحبُّه الله، وما أحبَّه مما يكرهُهُ اللَّهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>