وهذا الذي ذكرَه البخاريُّ في هذا البابِ، من الآية والحديثِ إنما يطابق
التبويبَ، على اعتقادِه: أنه لا فرقَ بين الإسلامِ والإيمانِ.
وأما على قولِ الأكثرينَ بالتفريقِ بينهما، فإنما ينبغي أن يُذكرَ في هذا البابِ
قولُه عزَّ وجل: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) .
فإنَّ الجمهورَ على أنه أرادَ استسلامَ الخلقِ كلهم له وخضوعَهم، فأما المؤمنُ
فيستسلمُ ويخضعُ طوعًا، وأما الكافرُ فإنه يضطرُ إلى الاستسلام عند الشدائدِ
ونزولِ البلاءِ به كرهًا، ثم يعودُ إلى شركِه عندَ زوالِ ذلك كلِّه، كما أخبرَ اللَّهُ عنهم بذلكَ في مواضعَ كثيرةٍ من القرآنِ.
والحديثُ الذي يطابقُ البابَ - على اختيارِ المفرقينَ بينَ الإسلام والإيمان -
قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - - في ذكر قرينهِ من الجنِّ -:
"ولكنَّ اللَّهَ أعاننِي عليه، فأسلَمُ ".
وقد رُوي بضمِّ الميم وفتحِها:
فمن رواهُ بضمِّها، قال: المرادُ: أي: أنا أسلمُ من شرِّه.
ومن رواه بفتحها، فمنهم من فسَّره بأنه أسلمَ من كفرِه، فصار مسلمًا.
وقد وردَ التصريحُ بذلكَ في روايةِ خرَّجها البزارُ في "مسندِه "، بإسنادٍ
فيه ضعفٌ.
ومنهم من فسَّره بأنه استسلمَ وخضعَ وانقادَ كرهًا. وهو تفسير ابنِ عيينة
وغيرهِ.
فيطابقُ على هذا ترجمةَ البابِ. واللَّهُ أعلم.
* * *