الوجه الثاني: تقدم أن وقوع الرجل في البدعة لا يلزم منه تبديعه على الإطلاق، وهذا ليس معناه أنه لا يبدع مطلقًا، بل يبدع بضوابط ذكرها أهل العلم، وليس هذا موضع ذكرها.
الوجه الثالث: أن الخلاف بين العلماء في تبديع بعض الأعمال موجود ولا ينكره عارف منصف، لكن لا يستفاد منه أن الإنكار والتشديد لا يكون على جميع البدع العملية الأخرى التي لم يختلف فيها العلماء، بل إن الخلاف في تبديع بعض الأمور العملية كالخلاف في بقية مسائل أهل العلم، فإذا كان الخلاف معتبرًا لم يشدد فيه، بخلاف ما إذا لم يكن معتبرًا، وقد بين العلماء الضابط في هذا، وذلك أن المسائل الشرعية الخلافية نوعان:
النوع الأول: لا ينكر ولا يعنف فيه على القائل، ولا يُلزم بتركه، أما القول نفسه فللمجتهد المخالف أن يبين ضعفه وكونه مرجوحًا، هذا النوع هو المسمى عند العلماء بالمسائل الاجتهادية، وهو كل قول لم يخالف إجماعًا أو سنة ظاهرة صريحة.
النوع الثاني: ينكر ويعنف فيه على القائل، ويلزمه من له ولاية بتركه، والقول نفسه يرد ويبدع، وهذا النوع هو المسمى عند العلماء بالمسائل الخلافية، وهو كل قول يخالف إجماعًا أو سنة ظاهرة صريحة، قال ابن مفلح:«وقال - أي ابن تيمية - في كتاب «بطلان التحليل»: قولهم: ومسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل، أما الأول فإن كان القول يخالف سنة أو إجماعًا قديمًا وجب إنكاره وفاقًا، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر، بمعنى بيان ضعفه عند من يقول: المصيب واحد وهم عامة السلف