للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفقهاء، وأما العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع، وجب إنكاره أيضًا بحسب درجات الإنكار كما ذكرنا من حديث شارب النبيذ المختلف فيه، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة، وإن كان قد اتبع بعض العلماء، وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيه مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس، والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد، ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبًا ظاهرًا، مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه، فيسوغ - إذا عدم ذلك - الاجتهاد لتعارض الأدلة المقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها» (١).

قال أبو المظفر السمعاني: «فأما الضرب الذي لا يسوغ فيه الاختلاف، كأصول الديانات من التوحيد وصفات الباري عز اسمه، وهي تكون على وجه واحد، لا يجوز فيه الاختلاف، وكذلك فروع الديانات التي يعلم وجوبها بدليل مقطوع به، مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك المناهي الثابتة بدليل مقطوع به، فلا يجوز اختلاف القول في شيء من ذلك، فأما الذي يسوغ فيه الاختلاف، وهي فروع الديانات إذا استخرجت أحكامها بأمارات الاجتهاد ومعاني الاستنباط، فاختلاف العلماء فيه مسوغ، ولكل واحد منهم أن يعمل فيه بما يؤدي إليه اجتهاده» (٢).


(١) الآداب الشرعية (١/ ١٦٩)، وانظر كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل (ص ١٤٥).
(٢) قواطع الأدلة في أصول الفقه (٢/ ٣٢٦).

<<  <   >  >>