للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«فكما انحصرت كبائر المعاصي أحسنَ انحصار - حسبما أشير إليه في ذلك الكتاب -؛ كذلك تنحصر كبائر البدع أيضًا، وعند ذلك يعترض في المسألة إشكالٌ عظيم على أهل البدع يعسر التخلص منه في إثبات الصغائر فيها، وذلك أن جميع البدع راجعة إلى الإخلال بالدين، إما أصلًا، وإما فرعًا؛ لأنها إنما أحدثت لتلحق بالمشروع؛ زيادةً فيه، أو نقصانًا منه، أو تغييرًا لقوانينه، أو ما يرجع إلى ذلك، وليس ذلك بمختص بالعبادات دون العادات؛ إن قلنا بدخولها في العادات، بل تشمل الجميع.

وإذا كانت بكليتها إخلالًا بالدين؛ فهي إذًا إخلالٌ بأول الضَّروريات، وهو الدِّين، وقد أثبت الحديث الصحيحُ أنَّ كل بدعة ضلالة، وقال في الفِرَق: «كلها في النار إلا واحدة» (١)، وهذا وعيد أيضا للجميع على التفصيل.

هذا وإن تفاوتت مراتبها في الإخلال بالدين فليس ذلك بمخرج لها عن أن تكون كبائرَ، كما أن القواعد الخمس أركانُ الدين، وهي متفاوتة في الترتيب، فليس الإخلال بالشهادتين كالإخلال بالصلاة، ولا الإخلال بالصلاة كالإخلال بالزكاة، ولا الإخلال بالزكاة كالإخلال برمضان، وكذلك سائرها، مع أن الإخلال بكل واحد منها كبيرة، فقد آل النظر إلى أن كل بدعة كبيرة» (٢).


(١) سنن أبي داود رقم (٣٩٩١)، سنن ابن ماجه رقم (٣٩٩٣)، مسند أحمد (١٩/ ٢٤١).
(٢) الاعتصام (٢/ ٣٨٠ - ٣٨٩).

<<  <   >  >>