للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-صلى الله عليه وسلم- في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار، - ثم ذكر الحديث - فتأملوا أين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من سن سنة حسنة» و «من سن سنة سيئة»، تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه، حيث أتى بتلك الصرة، فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فسر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة» الحديث، فدل على أن السنة هاهنا مثل ما فعل ذلك الصحابي، وهو العمل بما ثبت كونه سنة، وأن الحديث مطابق لقوله في الحديث الآخر: «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي» الحديث إلى قوله: «ومن ابتدع بدعة ضلالة»، فجعل مقابل تلك السنة الابتداع، فظهر أن السنة الحسنة ليست بمبتدعة، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ومن أحيا سنتي فقد أحبني».

ووجه ذلك في الحديث الأول ظاهر؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لما حض على الصدقة أوَّلًا، ثم جاء ذلك الأنصاري بما جاء به، فانثال بعده العطاء إلى الكفاية، فكأنها كانت سنَّةً أيقظها رضي الله تعالى عنه بفعله، فليس معناه من اخترع سنة وابتدعها ولم تكن ثابتة … » (١).

فبهذا يُحمل الحديث على من عمل عملًا مشروعًا دلت عليه الأدلة، مثل فعل الأنصاري الذي ابتدأ الصدقة فتتابع الناس على ذلك.


(١) الاعتصام (١/ ٣١١).

<<  <   >  >>