للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك العمل بعد موته صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ … - ثم قال: - وإذا كان كذلك: فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى؛ وقد قال لهم في الليلة الثالثة والرابعة لما اجتمعوا: «إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة» (١) فعلّل -صلى الله عليه وسلم- عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم.

فلما كان في عهد عمر -رضي الله عنه- جمعهم على قارئ واحد، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة، وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج؛ عملًا لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، ولم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته -صلى الله عليه وسلم- فانتفى المعارض» (٢).

قال السبكي: «قال ابن عبد البر: لم يسن عمر من ذلك إلا ما سنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال ابن عبد البر: لم يسن عمر بن الخطاب منها إلا ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحبه ويرضاه، ولم يمنع من المواظبة إلا خشية أن تفرض على أمته، وكان بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا -صلى الله عليه وسلم-، فلما علم عمر ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلم أن الفرائض لا يزاد فيها ولا ينقص بعد موته -صلى الله عليه وسلم-، أقامها للناس وأحياها وأمر بها، وذلك سنةَ أربع عشرة من الهجرة» (٣).


(١) سبق تخريجه.
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٩٣).
(٣) فتاوى السبكي (١/ ١٥٨).

<<  <   >  >>