للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: «فالبدع المكروهة ضلال، وأما ثانيًا: فإن إثبات قسم الكراهة في البدع على الحقيقة مما ينظر فيه، فلا يغتر المغتر بإطلاق المتقدمين من الفقهاء لَفْظَ المكروه على بعض البدع، وإنما حقيقة المسألة: أن البدع ليست على رتبة واحدة في الذَّمِّ - كما تقدم بيانه -، وأما تعيين الكراهة التي معناها نفي إثم فاعلها، وارتفاع الحرج عنه ألبتة، فهذا مما لا يكاد يوجد عليه دليل من الشرع، ولا من كلام الأئمة على الخصوص.

أما الشرع ففيه ما يدل على خلاف ذلك؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رد على من قال: «أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فلا أنكح النساء … »، إلى آخر ما قالوا، فرد عليهم ذلك -صلى الله عليه وسلم- وقال: «من رغب عن سنتي فليس مني» (١).

وهذه العبارة من أشد شيء في الإنكار، ولم يكن ما التزموا إلا فعْلَ مندوب أو ترْكَ مندوب إلى فعل مندوب آخر … - ثم قال: -

وكلية قوله: «كل بدعة ضلالة» (٢) شاهدة لهذا المعنى، والجميع يقتضي التأثيم والتهديد والوعيد، وهي خاصية المحرم … - ثم قال: -

والشواهد في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل على أن الهين عند الناس من البدع شديد وليس بهين، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}] النور: ١٥ [.

وأما كلام العلماء، فإنهم وإن أطلقوا الكراهية في الأمور المنهي عنها؛ لا يعنون بها كراهية التنزيه فقط، وإنما هذا اصطلاح للمتأخرين حين أرادوا أن


(١) سيأتي تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>