يفرقوا بين القبيلين، فيطلقون لفظ الكراهية على كراهية التنزيه فقط، ويخصون كراهية التحريم بلفظ التحريم، أو المنع، وأشباه ذلك. - ثم قال: -
فإذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها «أكره هذا، ولا أحب هذا، وهذا مكروه» وما أشبه ذلك، فلا تقطعن على أنهم يريدون التنزيه فقط فإنه إذا دل الدليل في جميع البدع على أنها ضلالة، فمن أين يعد فيها ما هو مكروه كراهية التنزيه؟ اللهم إلا أن يطلقوا لفظ الكراهية على ما يكون له أصل في الشرع، ولكن يعارضه أمر آخر معتبر في الشرع فيكره لأجله، لا لأنه بدعة مكروهة؛ على تفصيل يذكر في موضعه إن شاء الله … - ثم قال: -
وهو أن المحرم ينقسم في الشرع إلى ما هو صغيرة، وإلى ما هو كبيرة - حسبما تبين في علم الأصول الدينية -، فكذلك يقال في البدع المحرمة: إنها تنقسم إلى الصغيرة والكبيرة اعتبارا بتفاوت درجاتها كما تقدم، وهذا على القول بأن المعاصي تنقسم إلى الصغيرة والكبيرة … - ثم قال: - فكما انحصرت كبائر المعاصي أحسن انحصار - حسبما أشير إليه في ذلك الكتاب -؛ كذلك تنحصر كبائر البدع أيضًا، وعند ذلك يعترض في المسألة إشكال عظيم على أهل البدع يعسر التخلص منه في إثبات الصغائر فيها، وذلك أن جميع البدع راجعة إلى الإخلال بالدين، إما أصلًا، وإما فرعًا؛ لأنها إنما أحدثت لتلحق بالمشروع؛ زيادةً فيه، أو نقصانًا منه، أو تغييرًا لقوانينه، أو ما يرجع إلى ذلك، وليس ذلك بمختصٍّ بالعبادات دون العادات - إن قلنا بدخولها في العادات -، بل تشمل الجميع.