للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس فيما ذكر في السؤال شيء من ذلك، إذ لا ملازمة بين ثبوت التنفل الليلي أو النهاري في الجملة، وبين قيام ليلة النصف من شعبان بكذا وكذا ركعة، يقرأ في كل ركعة منها بسورة كذا على الخصوص كذا وكذا مرة، ومثله صيام اليوم الفلاني من الشهر الفلاني، حتى تصير تلك العبادة مقصودة على الخصوص، ليس في شيء من ذلك ما يقتضيه مطلق شرعية التنفل بالصلاة أو الصيام.

والدليل على ذلك: أن تفضيل يوم من الأيام أو زمان من الأزمنة بعبادة ما، يتضمن حكمًا شرعيًّا فيه على الخصوص، كما ثبت لعاشوراء مثلًا أو لعرفة، أو لشعبان مزية على مطلق التنفل بالصيام، فإنه ثبت له مزية على الصيام في مطلق الأيام، فتلك المزية اقتضت مرتبة في الأحكام أعلى من غيرها، بحيث لا تفهم من مطلق مشروعية الصيام النافلة؛ لأن مطلق المشروعية يقتضي أن الحسنة فيه بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف في الجملة، وصيام يوم عاشوراء يقتضي أنه يكفر السنة التي قبله، فهو أمر زائد على مطلق المشروعية، ومساقه يفيد له مزية في الرتبة، وذلك راجع إلى الحكم.

فإذا هذا الترغيب الخاص يقتضي مرتبة في نوع المندوب خاصة، فلا بد من رجوع إثبات الحكم إلى الأحاديث الصحيحة بناء على قولهم: «إن الأحكام لا تثبت إلا من طريق صحيح»، والبدع المستدل عليها بغير الصحيح لا بد فيها من زيادة على المشروعات؛ كالتقييد بزمان ما، أو عدد ما، أو كيفية ما، فيلزم أن تكون أحكام تلك الزيادة ثابتة بغير الصحيح، وهو ناقض لما أسسه العلماء» (١).


(١) الاعتصام (٢/ ٢٩).

<<  <   >  >>