وقال الشاطبي:«وبيان ذلك: أن الدليل الشرعي إذا اقتضى أمرًا في الجملة مما يتعلق بالعبادات مثلًا، فأتى به المكلف في الجملة أيضًا؛ كذكر الله، والدعاء، والنوافل المستحبات، وما أشبهها مما يعلم من الشارع فيها التوسعة؛ كان الدليل عاضدًا لعمله من جهتين: من جهة معناه، ومن جهة عمل السلف الصالح به، فإن أتى المكلف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة، أو زمان مخصوص، أو مكان مخصوص، مقارنًا لعبادة مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار متخيلًا أن الكيفية، أو الزمان، أو المكان مقصود شرعًا من غير أن يدل الدليل عليه؛ كان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه.
فإذا ندب الشرع مثلًا إلى ذكر الله، فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد، أو صوت واحد، أو في وقت معلوم مخصوص عن سائر الأوقات، لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص الملتزم، بل فيه ما يدل على خلافه. - ثم مثَّل بأمثلةٍ نافعةٍ ثم قال: -
فكل من خالف هذا الأصل فقد خالف إطلاق الدليل أولًا؛ لأنه قيد فيه بالرأي، وخالف من كان أعرف منه بالشريعة، وهم السلف الصالح -رضي الله عنهم-» (١).
وقال: «ومثال ذلك أن يقال: إن الصوم في الجملة مندوب إليه لم يخصه الشارع بوقت دون وقت، ولا حد فيه زمانًا دون زمان، ما عدا ما نهي عن صيامه على الخصوص كالعيدين، أو ندب إليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء، يقول: فأنا أخص منه يومًا من الجمعة بعينه، أو أيامًا من الشهر بأعيانها، لا من جهة ما عينه الشارع، فإن ذلك ظاهر، بل من جهة اختيار المكلف؛ كيوم الأربعاء