ومهما يكن من شيء فقد انتهت العلاقة بين الرجلين بالقطيعة، إذ فارق التوحيدي فناء الصاحب بن عباد سنة ٣٧٠ هـ، بعد صلة دامت حوالي ثلاث سنوات، رجع على أثرها إلى مدينة السلام صفر اليدين! والتوحيدي يقرر أن الصاحب لم يعطه طوال هذه المدة درهما واحدا، أو ما قيمته درهم واحد، على الرغم من كل ما نسخه له! وهو يقول أيضا إنه إذا كان قد هجا الصاحب فما ذلك إلا لما جرّعه إياه من مرارة الخيبة بعد الأمل، وما حمله عليه من الإخفاق بعد الطمع، «مع الخدمة الطويلة، والوعد المتصل، والظن الحسن، حتى كأني خصصت بخساسته وحدي، أو وجب أن أعامل بها دون غيري» . وأما ياقوت الرومي فإنه يقول إن أبا حيان كان قد قصد ابن عباد بالري، فلما لم يرزق منه، رجع عنه ذامّا له، وكان أبو حيان مجبولا على الغرام بثلب الكرام، فاجتهد في الغض من ابن عباد، ولكن فضائل ابن عباد كانت تأبى إلا أن تسوقه إلى المدح وإيضاح مكارمه، فانقلب ذمّه له مدحا «١» ! وهناك رواية أخرى يرويها الخوانساري مؤدّاها أن التوحيدي كان سيّئ العقيدة، قليل الورع، فلما وقف ابن عباس على حقيقة أمره، طلبه ليقتله، فهرب والتجأ إلى أعدائه، ونفق عليهم بزخرفته وكذبه. ويميل البعض إلى استبعاد هذه الرواية الأخيرة لعدم وجود قرائن تشهد بفساد عقيدة أبي حيان، اللهم إلا أن يكون اتهامه بالزندقة مجرد وسيلة اتخذ منها الصاحب ذريعة للثأر من خصمه (أبي حيان) والتشهير به وتجريح سمعته! ولكن إذا كان أبو حيان لم يوفق في صلاته بأبي الفضل ابن العميد وابنه أبي الفتح بن العميد، وإذا كان الحظ لم يحالفه أيضا في علاقته بالصاحب بن عباد، فإن الظاهر أنه كان أكثر توفيقا مع الوزير ابن العارض أبي عبد الله الحسن بن سعدان (المتوفى سنة ٣٧٥ هـ) وزير صمصام الدولة البويهي. وقد كانت حلقة الاتصال بين أبي حيان وابن سعدان شخصية عالمة فاضلة التقى بها التوحيدي في فارس، فسرعان ما توثقت بينهما أواصر المودة، وتلك هي شخصية أبي الوفاء المهندس البوزجاني الذي أهدى إليه أبو حيان من بعد كتابه «الإمتاع والمؤانسة» تقديرا له واعترافا بفضله.
وقد توطدت العلاقة بين أبي حيان والوزير وابن سعدان، فنسخ له كتاب الحيوان للجاحظ، وألّف له رسالة في «الصداقة والصديق» وسامره بكل تلك الأقاصيص والأحاديث التي رواها في «الإمتاع والمؤانسة» الكتاب الذي بين أيدينا. وقد كان لابن سعدان ناحية علمية أدبية صورها أبو حيان في كتبه «فهو واسع الاطلاع، له مشاركة جيدة في كثير من فروع العلم من أدب وفلسفة وطبيعة وإلهيات وأخلاق، يدل على