للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن طباعه الترضّي والبصبصة والهشاشة لمن عرفه.

ليس في الحيوان أشدّ حبا لصاحبه منه، فإن أشار له على صيد وثب ناصبا رأسه رافعا ذنبه مستعدّا كالفارس البطل والشجاع النّجد، مع نشاطه في الطلب وهو يعلم أن الصيد ليس بحاضر، لكنّ ذلك منه حسن طاعة.

فأما حب بعض جراء الكلاب لبعض إذا كان أخاه لأمّ ولأب فمما قد عهد وشوهد، وذلك أنه حيث كان يطرح لها الطعام في الوسط، فلا يخطف واحد منها ذلك، لكنها تتعاطاه بينها بسكون وتمكين بعضها لبعض، غير مستأثرة به ولا محاربة عليه.

الفرس من طباعه الزّهو والحرارة وشهوة الإناث للسّفاد. وإن وطيء الفرس أثر وطء الذئب ارتعد وخرج الدخان من جسده كلّه.

الذئب إذا رأى الإنسان مبطئا خطوه وهو ساكن سكت عنه، فإن رآه خاف وجبن اجترأ وحمل عليه وكبسه.

وليس كلّ ذئب يعدو، ولكن هو الذي يكون ضاريا، وفيه خلّتان: إحداهما أن يكون منفردا يمشي وحده، والأخرى حدّة سمعه، إن خفي عليه مكان الغنم أتى مكانا وعوى صوتين أو ثلاثة، ثم سكت منصتا لأصوات الكلاب الّتي مع الغنم ونباحها حين سمعت عواءه، فإذا سمع نباح الكلاب شدّ مسرعا نحوها، قاصدا إليها، فإذا قرب من الغنم مال إلى ناحية أخرى خالية من حرس الكلاب فاختطف ما أمكنه خطفه من الغنم.

حمار الوحش إذا ولدت الأنثى الأولاد الذكور جاء الفحل فانتزع خصي تلك الذكور وقطعها بأسنانه لكيلا تصاد أو تشاركه في طروقة، إلّا أنّ الأنثى ربّما وضعت ولدها في مكان غامض حتى يشتدّ جسمه وتصلب حوافره، ويقوى بالشدّ على النّجاة من الفحل، ولهذا السّبب يقلّ منها الفحول.

الحريش دابّة صغيرة في جرم الجدي ساكنة جدا، غير أن لها من قوّة الجسم وسرعة الحضر ما يعجز القنّاص عنها، ثم لها في وسط رأسها قرن واحد منتصب مستقيم، به تناطح جميع الحيوان فلا يغلبها شيء.

احتل لصيدها بأن تعرض لها فتاة عذراء وضيئة، فإذا رأتها وثبت إلى حجرها كأنّها تريد الرضاع، وهذه محبّة فيها طبيعية ثابتة، فإذا هي صارت في حجر الفتاة أرضعتها من ثديها على غير حضور اللّبن فيها حتى تصير كالنّشوان من الخمر والوسنان من النوم، فيأتيها القنّاص على تلك الحال فيشدّ من وثاقها على سكون منها بهذه الحيلة.

الأيّل عدوّ الحيّات إن قربت منه حيّة فانجحرت في صدع صفا ملاء الأيّل فاه من الغدير أو من حيث وجد فدفعه في ذلك الصّدع، ثم اجتذب الحيّة إليه بالقوّة حتى

<<  <   >  >>