قتله، فمرّة يتحصّن بفناء ابن العميد، ومرّة يلجأ إلى صاحب الجيش بنيسابور، ومرّة يتقرّب إلى العامّة بكتب يصنّفها في نصرة الإسلام، وهو على ذلك يتّهم ويقرف بالإلحاد، وبقدم العالم والكلام في الهيولى والصّورة والزّمان والمكان، وما أشبه هذا من ضروب الهذيان الّتي ما أنزل الله بها كتابه، ولا دعا إليها رسوله، ولا أفاضت فيها أمّته.
ومع ذلك يناغي صاحب كلّ بدعة، ويجلس إليه كل متهم، ويلقي كلامه إلى كلّ من ادّعى باطنا للظاهر وظاهرا للباطن.
وما عندي أنّ الأئمّة الذين يأخذ عنهم ويقتبس منهم، كأرسطوطاليس وسقراط وأفلاطون، رهط الكفر ذكروا في كتبهم حديث الظّاهر والباطن، وإنما هذا من نسج القدّاحين في الإسلام، الساترين على أنفسهم ما هم فيه من التّهم، وهذا بعينه دبّره الهجريّون بالأمس، وبهذا دندن الناجمون بقزوين وبثّوا الدّعاة في أطراف الأرض، وبذلوا الرغائب وفتنوا النفوس.
وقد سمعنا تأويلات هذه الطوائف لآيات القرآن في قوله عزّ وجلّ: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ
[فصلت: ٥٣] إلى غير ذلك مما يطول «١» ويعول فدعونا من التورية والحيلة والإيهام والكناية عن شيء لا يتصل بالإرادة، والإرادة لشيء لا يتّصل بالصريح، فالناس أنقد لأديانهم وأحرص على الظّفر ببغيتهم من الصّيارفة لدنانيرهم ودراهمهم.
فلمّا انبهر المقدسيّ بما سمع وكاد يتفرى إهابه من الغيظ والعجز وقلّة الحيلة قال: الناس أعداء ما جهلوا، ونشر الحكمة في غير أهلها يورث العداوة ويطرح «٢» الشحناء ويقدح زند الفتنة.
ثم كرّ الجريريّ كرّ المدلّ وعطف عطفة الواثق بالظفر، فقال: يا أبا سليمان، من هذا الذي يقرّ منكم أنّ عصا موسى انقلبت حيّة، وأن البحر انفلق، وأنّ يدا خرجت بيضاء من غير سوء، وأنّ بشرا خلق من تراب، وأنّ آخر ولدته أنثى من غير ذكر، وأنّ نارا مؤجّجة طرح فيها إنسان فصارت له بردا وسلاما، وأنّ رجلا مات مائة عام ثم بعث فنظر إلى طعامه وشرابه على حاليهما لم يتغيّرا، وأنّ قبرا تفقّأ عن ميّت حيي، وأنّ طينا دبّر «٣» فنفخ فيه فطار، وأنّ قمرا انشقّ، وأنّ جذعا حنّ، وأنّ ذئبا