نظر الحجّاج يوما على المائدة إلى رجل وجأ عنق رجل آخر، فدعا بهما، فقال للواجئ: علام صنعت؟ فقال: غصّ بعظم فخفت أن يقتله، فوجأت عنقه فألقاه، فسأل الآخر فقال: صدق، فدعا بالطبّاخ فقال له: أتدع العظام في طعامك حتى يغصّ بها؟ فقال: إنّ الطعام كثير، وربما وقع العظم في المرق فلا يزال. قال: تصب المرق على المناخل. فكان يفعل.
قال سلمة بن المحبّق: شهدت فتح الأبلّة، فوقع في سهمي قدر نحاس، فنظرت فإذا هي ذهب فيها ثمانون ألف مثقال، فكتبت في ذلك إلى عمر، فأجاب بأن يحلّف سلمة بأنه أخذها يوم أخذها وهي عنده، فإن حلف سلّمت إليه، وإلا قسمت بين المسلمين، قال: فحلفت فسلّمت إليّ، فأصول أموالنا اليوم منها.
قال بعض الحكماء: لا يصبر على المروءة إلّا ذو طبيعة كريمة.
.... «١» .
أصاب عبد الرحمن بن مدين- وكان رجل صدق بخراسان- مالا عظيما فجهّز سبعين مملوكا بدوابّهم وأسلحتهم إلى هشام بن عبد الملك، ثم أصبحوا معه يوم الرّحيل، فلما استوى بهم الطريق نظر إليهم فقال: ما ينبغي لرجل أن يتقرّب بهؤلاء إلى غير الله. ثم قال: اذهبوا أنتم أحرار، وما معكم لكم.
وقال أعرابيّ: من قبل صلتك فقد باعك مروءته، وأذلّ لقدرك عزّه.
كتب زياد بن عبد الله الحارثيّ إلى المهديّ:
أنا ناديت عفوك من قريب ... كما ناديت سخطك من بعيد
وإن عاقبتني فلسوء فعلي ... وما ظلمت عقوبة مستقيد
وإن تصفح فإحسان جديد ... عطفت به على شكر جديد
وقال رجل لمحمد بن نحرير: أوصني، فقال: اسمع ولا تتكلّم، واعرف ولا تعرّف، واجلس إلى غيرك ولا تجلسه إليك.
وقال رجل لابن أسيد القاضي: إنّ أمّي تريد أن توصي فتحضر وتكتب، فقال:
وهل بلغت مبلغ النّساء؟
ودخل صاحب المظالم بالبصرة على رجل مبرسم وعنده طبيب يداويه، فأقبل على الطبيب وأهل المريض، وقال: ليس دواء المبرسم إلا الموت حتى تقلّ حرارة صدره، ثم حينئذ يعالج بالأدوية الباردة حتى يستبلّ.