حتى مضت لي عشرون ليلة. فتغدّيت عنده يوما، فلمّا تفرّق الناس نهضت للقيام، فقال: على رسلك أيّها الرجل، أيّ الأمرين أحبّ إليك: المقام عندنا، ولك النصفة في المعاشرة والمجالسة مع المواساة، أم الشّخوص ولك الحباء والكرامة؟ فقلت:
فارقت أهلي وولدي على أن أزور أمير المؤمنين، فإن أمرني اخترت فناءه على الأهل والولد، قال: بل أرى لك الرّجوع إليهم، فإنهم متطلّعون إلى رؤيتك، فتجدّد بهم عهدا ويجدّدون بك مثله، والخيار في زيارتنا والمقام فيهم إليك وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار، وكسوناك وحملناك، أتراني ملأت يدك أبا نصر؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أراك ذاكرا لما رويت عن نفسك. قال: أجل، ولا خير فيمن ينسى إذا وعد، ودّع إذا شئت، صحبتك السلامة.
قال الوزير: ما أحلى هذا الحديث! هات ما بعده.
قلت: قال يحيى بن أبي يعلى: لمّا قدم المال من ناحية عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- على أبي بكر بن حزم، قسمه بين الناس في المدينة، فأصاب كلّ إنسان خمسين دينارا، فدعتني فاطمة بنت الحسين- عليه السّلام- فقالت: اكتب، فكتبت:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من فاطمة بنت الحسين سلام الله عليك، فإنّي أحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فأصلح الله أمير المؤمنين وأعانه على ما تولّاه، وعصم به دينه، فإنّ أمير المؤمنين كتب إلى أبي بكر بن حزم أن يقسم فينا مالا من الكتيبة، ويتحرّى بذلك ما كان يصنع من قبله من الأئمّة الراشدين المهديّين، وقد بلّغنا ذلك، وقسم فينا، فوصل الله أمير المؤمنين، وجزاه من وال خير ما جزى أحدا من الولاة، فقد كانت أصابتنا جفوة، واحتجنا إلى أن يعمل فينا بالحقّ، فأقسم بالله يا أمير المؤمنين لقد اختدم من آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من لا خادم له، واكتسى من كان عاريا، واستقرّ من كان لا يجد ما يستقرّ به. وبعثت إليه رسولا.
قال يحيى: فحدّثني الرسول قال: قدمت الشّام عليه، فقرأ كتابها وإنّه ليحمد الله ويشكره، فأمر لي بعشرة دنانير، وبعث إلى فاطمة خمسمائة دينار، وقال:
استعيني بها على ما يعوزك، وكتب إليها كتابا يذكر فيه فضلها وفضل أهل بيتها، ويذكر ما فرض الله لهم من الحق.
فرقّ الوزير عند هذا الحديث وقال: أذكرتني أمر العلويّة، وأخذ القلم، واستمدّ من الدواة، وكتب في التّذكرة شيئا، ثم أرسل إلى نقيب العلوّية العمريّ في اليوم الثاني بألف دينار، حتى تفرّق في آل أبي طالب، وقال لي: هذا من بركة الحديث.
ثم قال: كيف تطاول هؤلاء القوم إلى هذا الأمر مع بعدهم من رحم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرب بني هاشم منه؟ وكيف حدّثتهم أنفسهم بذلك؟ إنّ