للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عجبي من هذا لا ينقضي، أين بنو أميّة وبنو مروان من هذا الحديث مع أحوالهم المشهورة في الدين والدنيا؟

فقلت: أيّها الوزير، إذا حقّق النّظر واستشفّ الأصل لم يكن هذا عجيبا، فإنّ أعجاز الأمور تالية لصدورها، والأسافل تالية لأعاليها، ولا يزال الأمر خافيا حتى ينكشف سببه فيزول التعجّب منه، وإنما بعد هذا على كثير من الناس، لأنّهم لم يعنوا به وبتعرّف أوائله والبحث عن غوامضه، ووضعه في مواضعه، وذهبوا مذهب التعصّب.

قال: فما الذي خفي حتى إذا عرف سقط التّعجّب ولزم التسليم؟

فكان من الجواب: لا خلاف بين الرّواة وأصحاب التاريخ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم توفّي وعتّاب بن أسيد على مكّة، وخالد بن سعيد على صنعاء، وأبو سفيان بن حرب على نجران، وأبان بن سعيد بن العاص على البحرين، وسعيد بن القشب الأزديّ حليف بني أميّة على جرش ونحوها، والمهاجر بن أبي أميّة المخزوميّ على كندة والصّدف، وعمرو بن العاص على عمان، وعثمان بن أبي العاص على الطائف. فإذا كان النبي- صلّى الله عليه وسلّم أسّس هذا الأساس، وأظهر أمرهم لجميع الناس، كيف لا يقوى ظنّهم، ولا ينبسط رجاؤهم، ولا يمتدّ في الولاية أملهم؟ وفي مقابلة هذا، كيف لا يضعف طمع بني هاشم، ولا ينقبض رجاؤهم، ولا يقصر أملهم؟ وهي الدنيا، والدّين عارض فيها، والعاجلة محبوبة، وهذا وما أشبهه حدّد أنيابهم، وفتح أبوابهم، وأترع كأسهم، وفتل أمراسهم، ودلائل الأمور تسبق، وتباشير الخبر تعرف.

قال ابن الكلبي: حدّثني الحكم بن هشام الثّقفيّ قال: مات عبيد الله بن جحش عن أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت معه بأرض الحبشة، فخطبها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى النّجاشيّ، فدعا بالقرشيّن فقال: من أولاكم بأمر هذا المرأة؟ فقال خالد بن سعيد بن العاص: أنا أولاهم بها. قال: فزوّج نبيّكم. قال: فزوّجه ومهر عنه أربعمائة دينار، فكانت أوّل امرأة مهرت أربعمائة دينار، ثمّ حملت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعهما الحكم بن أبي العاص، فجعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكثر النظر إليه، فقيل له: يا رسول الله، إنك لتكثر النّظر إلى هذا الشابّ. قال: أليس ابن المخزوميّة؟ قالوا: بلى، قال: إذا بلغ بنو هذا أربعين رجلا كان الأمر فيهم، وكان مروان إذا جرى بينه وبين معاوية كلام قال لمعاوية: والله إني لأبو عشرة، وأخو عشرة، وعمّ عشرة، وما بقي إلا عشرة حتى يكون الأمر فيّ، فيقول معاوية بن أبي سفيان: أخذها والله من عين صافية.

فهذا- كما تسمع- إن كان حقّا فلا سبيل إلى ردّه، وإن كان مفتعلا فقد صار داعية إلى الأمر الّذي وقع نزاع فيه، وجال الخصام عليه.

وهاهنا شيء آخر.

<<  <   >  >>