وأخيرا رجحت أنه هو الوزير أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان وزير صمصام الدولة البويهي، وقد ورد اسمه هكذا في كل ما راجعت من كتب التاريخ أمثال:(تجارب الأمم) وذيله (وابن الأثير) ، ولم يلقبه أحد منهم (بالعارض) ، وكلمة (العارض) كما في كتاب (الأنساب للسمعاني) معناها: «من يعرف العسكر ويحفظ أرزاقهم، ويوصلها إليهم ويعرضهم على الملك إذا احتيج إلى ذلك» فالظاهر أن الوزير أبا عبد الله لقّب هذا اللقب إما لأنه تولى هذا العمل قبل أن يتولى الوزارة، أو كان هذا لقبا لأسرته، ودليلي على ذلك أمور:
١- أنه ورد في صدر هذا الكتاب أن أبا الوفاء ذكر لأبي حيان: أنك لما انكفأت من الرّي إلى بغداد في آخر سنة ٣٧٠ مغيظا من ابن عباد، وعدتك صلاح حالك، وأن أوصلك إلى الأستاذ أبي عبد الله العارض، ثم جاء وصف أبي عبد الله هذا بالوزير.
ونحن إذا رجعنا إلى من استوزر فيما بين سنة ٣٧٠ وسنة ٣٧٥ لم نجد وزيرا يكنى بأبي عبد الله إلا الوزير أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان، فقد استوزره صمصام الدولة سنة ٣٧٣ وقتله سنة ٣٧٥.
٢- جاء في أثناء كتاب «الإمتاع والمؤانسة» أن أبا حيان قص على الوزير أنه سمع رجلا على جسر بغداد يقول وقد رأى ابن بقية الوزير المشهور مصلوبا بعد أن مات عضد الدولة: «سبحان الله! عضد الدولة تحت الأرض وابن بقية فوق الأرض» ، فلما سمع الوزير ذلك قال: استأذنت الملك في دفن ابن بقية فدفن.
وقد ذكر المؤرخون أن ابن بقية دفن في عهد صمصام الدولة، ولم يكن لصمصام الدولة وزير يكنى بأبي عبد الله غير ابن سعدان.
٣- ومما يستأنس به أن أبا حيان كان متصلا بالوزير ابن سعدان وألف له كتاب «الصداقة والصديق» وقد ذكر في أوائله «أن السبب كان في إنشاء هذه الرسالة أني ذكرت شيئا منها لزيد بن رفاعة أبي الخير، فنماه إلى ابن سعدان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة قبل تحمله أعباء الدولة وتدبيره أمر الوزارة حين كانت الأشغال خفيفة، والأحوال على أذلاها جارية، فقال لي ابن سعدان: قد قال لي زيد عنك كذا وكذا. قلت: قد كان ذلك. قال: فدوّن هذا الكلام وصله بصلاته ...
فجمعت ما في هذه الرسالة» . فاتصال أبي حيان بابن سعدان وتأليفه له كتاب «الصداقة والصديق» يرجح الظن بأنه هو أبو عبد الله العارض.
نعم كان من رجال صمصام الدولة من اسمه أبو الحسن بن عمارة العارض استخدمه صمصام الدولة في السفارة بينه وبين أعدائه أحيانا، ولكن يبعد أن يكون هو الذي ألف له كتاب الإمتاع والمؤانسة- لأن كنيته أبو الحسن والذي ألّف له الكتاب أبو عبد الله- ولأن أبا الحسن لم يكن وزيرا لصمصام الدولة. وفي الكتاب النص في مواضع متعددة على أنه ألفه لوزير.