والموضوع كالعلم والحركة، فإنّ موضوع هذا الجسم، وموضوع ذاك النفس، وحدّ أحدهما غير حدّ الآخر، وقد يكون واحدا بالموضوع والحدّ بمنزلة السّيف والصّمصام، وقد نقول أشياء تكون واحدة بالفعل، وهي بالقوة كثيرة، كالسّراج الواحد، فأما أن يكون واحدا بالقوّة وكثيرا بالفعل من وجه واحد، فلا يكون، بل من جهات مختلفة.
قال أبو النضر نفيس: الواحد الذي ينقسم فتنشأ منه الكثرة غير الواحد الذي لا ينقسم، والكثير الذي يتوحّد حتى يكون واحدا غير الكثير الذي لا يتوحّد، فالواحد الذي لا ينقسم علّة الواحد المنقسم، والكثير الذي يتوحّد هو علّة الكثير الذي لا يتوحّد، وبالحكمة الإلهية، ما كان هكذا حتى يكون الكثير الذي يتوحّد في مقابلة الكثير الذي لا يتوحّد، والواحد الذي ينقسم في مقابلة الواحد الذي لا ينقسم، وهذه المقابلة هي عبارة عن صورة التمام الحاصل للكلّ، وليست هي عبارة عن صورة مزاحمة لصورة، أو كثرة غالبة لكثرة، المستغاث بالله من قصور العبارة عن الغاية، وتقاعس اللّفظ عن المراد.
وقال: يعجبني من جملة الحكم الأمثال التي يضربونها، والعيون التي يستخرجونها، والمعاني الّتي يقرّبونها.
قلت: صدقت، مثل قول فيلسوف: البدن للنّفس بمنزلة الدّكّان للصانع، والأعضاء بمنزلة الآلات، فإذا انكسرت آلات الصانع وخرّب الدّكان وانهدم، فإنّ الصانع لا يقدر على عمله الذي كان يعمله إلا أن يتّخذ دكانا آخر، وآلات جددا أخر.
قال: أحبّ أن أسمع شيئا من منثور كلامهم في فنون مختلفة.
قلت: قال فيلسوف: العاقل يضلّ عقله عند محاورة الأحمق. قال أبو سليمان:
هذا صحيح، ومثاله أنّ العاقل إذا خاطب العاقل فهم وإن اختلفت مرتبتاهما في العقل، فإنهما يرجعان إلى سنخ «١» العقل، وليس كذلك العاقل إذا خاطب الأحمق، فإنهما ضدّان، والضّدّ يهرب من الضدّ، وقد قيل لأبي الهذيل العلّاف- وكان متكلّم زمانه-: إنّك لتناظر النّظّام وتدور بينكما نوبات، وأحسن أحوالنا إذا حضرنا أن ننصرف شاكّين في القاطع منكما والمنقطع، ونراك مع هذا يناظرك زنجويه الحمّال فيقطعك في ساعة. فقال: يا قوم إن النظّام معي على جادّة واحدة لا ينحرف أحدنا عنها إلّا بقدر ما يراه صاحبه فيذكّره انحرافه، ويحمله على سننه فأمرنا يقرب، وليس هكذا زنجويه الحمّال فإنه يبتدئ معي بشيء، ثم يطفر إلى شيء بلا واصلة ولا فاصلة، وأبقى، فيحكم عليّ بالانقطاع، وذاك لعجزي عن ردّه إلى سنن الطريق الذي فارقني آنفا فيه.