والبقاع السّبخة، والجص والاسفيداج لا يكونان إلّا في الأرض الرمليّة المختلطة ترابها بالحصى، والزّاج لا يكون إلّا في التراب العفص، وقد أحصى بعض من عني بهذا الشأن هذه الأنواع المعدنيّة فوجدها سبعمائة نوع.
وقالوا: من الجواهر المعدنيّة ما هو صلب لا يذوب إلّا بالنار الشديدة، ولا يكسر إلّا بالفأس كالياقوت والعقيق، ومنها ترابيّ رخو لا يذوب ولكن ينفرك، كالملح والزاج، والطلق، ومنها مائيّ رطب ينفر من النار كالزّئبق، ومنها هوائيّ دهنيّ تأكله النار، كالكبريت والزّرنيخ، ومنها نباتيّ كالمرجان، ومنها حيوانيّ كالدّرّ، ومنها طلّ منعقد، كالعنبر والبادزهر، وذلك أنّ العنبر إنّما هو طلّ يقع على سطح ماء البحر، ثم ينعقد في مواضع مخصوصة في زمان مقدّر، وكذلك البادزهر، فإنّه طلّ يقع على بعض الأحجار، ثم يرشح في خللها، ويغيب فيها، وينعقد في بقاع مخصوصة، في زمان معلوم، وكالتّرنجبين الّذي هو طلّ يقع على ضرب من الشّوك، وكذلك اللك فإنّه يقع على نبات مخصوص ينعقد عليه، وكذلك الدّرّ فإنّه طلّ يرسخ في أصداف نوع من الحيوان البحريّ، ثم يغلط ويجمد وينعقد فيه، وكذلك الموميا، وهي طلّ يرسخ في صخور هناك ويصير ماء ثم ينزّ من مسامّ ضيّقة ويجمد وينعقد.
والطّلّ هو رطوبة هوائيّة تجمد من برد اللّيل، وتقع على النّبات والشّجر والحجر والصّخر، وعلى هذا القياس جميع الجواهر المعدنيّة، فإن مادتها إنما هي رطوبات مائيّة، وأنداء وبخارات تنعقد بطول الوقوع ومرّ الزّمان.
وقالت الحكماء الأوّلون: هاهنا طبيعة تألف طبيعة أخرى، وطبيعة تلزق بطبيعة أخرى، وطبيعة تأنس بطبيعة، وطبيعة تتشبّه بطبيعة، وطبيعة تقهر طبيعة، وطبيعة تخبث مع طبيعة، وطبيعة تطيب مع طبيعة، وطبيعة تفسد طبيعة، وطبيعة تحمّر طبيعة، وطبيعة تبيّض طبيعة، وطبيعة تهرب من طبيعة، وطبيعة تبغض طبيعة، وطبيعة تمازج طبيعة.
فأمّا الطبيعة الّتي تألف طبيعة فمثل الماس فإنّه إذا قرب من الذّهب لزق به وأمسكه، ويقال: لا يوجد الماس إلّا في معدن الذّهب في بلد من ناحية المشرق.
ومثل طبيعة المغناطيس في الحديد، فإنّ هذين الحجرين يابسان صلبان، وبين طبيعتيهما ألفة، فإذا قرب الحديد من هذا الحجر حتى يشمّ رائحته ذهب إليه والتصق به وجذب الحديد إلى نفسه وأمسكه كما يفعل العاشق بالمعشوق. وكذلك يفعل الحجر الجاذب للخزّ والحجر الجاذب للشّعر، والجاذب للتّبن، وعلى هذا المثال ما من حجر من أحجار المعدن إلّا وبين طبيعته وبين طبيعة شيء آخر إلف واشتياق، عرف ذلك أو لم يعرف، ومثل هذا ما يكون بين الدواء والعضو العليل، وذلك أنّ من خاصّة كلّ عضو عليل اشتياقه إلى طبيعة الدّواء الّتي هي ضد طبيعة العلّة التي به، فإذا