حصل الدواء بالقرب من العضو العليل وأحسّ به جذبته القوّة الجاذبة إلى ذلك العضو وأمسكت الممسكة واستعانت بالقوّة المدبّرة لطبيعة الدواء على دفع الطبيعة المؤلّفة للعلة وقويت عليها ودفعتها عن العضو العليل، كما يستعين ويدفع المحارب والمخاصم بقوّة من يعينه على خصمه وعدوّه ويدفعه عن نفسه، وأمّا الطبيعة الّتي تقهر طبيعة أخرى فمثل طبيعة السّنباذج الّذي يأكل الأحجار عند الحكّ أكلا ويلينها ويجعلها ملساء. ومثل طبيعة الأسرب الوسخ في الماس القاهر لسائر الأحجار الصّلبة، وذلك أنّ الماس لا يقهره شيء من الأحجار، وهو قاهر لها كلّها، ولو ترك على السّندان وطرق بالمطرقة لدخل في أحدهما ولم ينكسر، وإن جعل بين صفيحتين من أسربّ وضمّتا عليه تفتّت، ومثل طبيعة الزئبق الطيار الرّطب القليل الصبر على حرارة النّار، إذا طلى به الاحجار المعدنية الصلبة مثل الذهب والفضّة والنّحاس والحديد أوهنها وأرخاها حتى يمكن أن تكسر بأهون سعي، وتتفتّت قطعا.
ومثل الكبريت المنتن الرائحة المسوّد للأحجار النيّرة البرّاقة، المذهب لأوانها وأصباغها، يمكّن النار منها حتّى تحترق في أسرع مدّة. والعلّة في ذلك أنّ الكبريت رطوبة دهنيّة لزجة جامدة، فإذا أصابته حرارة النار ذاب والتزق بأجساد الأحجار ومازجها، فإذا تمكنت النار منها احترق وأحرق معه تلك الأجساد ياقوتا كانت أو ذهبا أو غيرهما.
وأمّا الطبيعة التي ترسب في طبيعة أخرى وتنيرها، فمثل النّوشاذر الّذي يغوص في قعر الأشياء ويغسلها من الوسخ.
وأما الطبيعة التي تعين طبيعة أخرى فمثل البورق الذي يعين النار على سبك هذه الأحجار المعدنيّة الذائبة، ومثل الزّاجات والشّبوب التي تجلوها وتنيرها وتصبغها، ومثل المغنيسيا والقلى المعينين على سبك الرّمل وتصفيته حتّى يكون منه زجاج، وعلى هذا المثال جميع الأحجار المعدنيّة.
النار هي الحاكمة بين الجواهر المعدنيّة بالحق.
ويقال: من أدمن الأكل والشّرب في أواني النّحاس أفسدت مزاجه، وعرض له أمراض صعبة، وإن أدنيت أواني النّحاس من السّمك شممت لها رائحة كريهة وإن كبّت آنية النّحاس على سمك مشويّ أو مطبوخ بحرارته حدث منه سمّ قاتل.
القلعى قريب من الفضّة في لونه، ولكن يخالفها في ثلاث صفات: الرائحة والرّخاوة والصّرير، وهذه الآفات دخلت عليه وهو في معدنه كما تدخل الآفات على المفلوج وهو في بطن أمّه، فرخاوته لكثرة زئبقه، وصريره لغلظ كبريته.
ويقال: إنّ لون الياقوت الأصفر والذهب الإبريز، ولون الزعفران وما شاكلها من الألوان المشرقة منسوبة إلى نور الشمس وبريق شعاعها، وكذلك بياض الفضّة