للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والملح والبلّور والقطن وما شاكله من ألوان النّبات منسوبة إلى نور القمر وبريق شعاعه، وعلى هذا المثال سائر الألوان.

وقال أصحاب النجوم: السواد لزحل، والحمرة للمرّيخ، والخضرة للمشتري، والزّرقة للزّهرة، والصّفرة للشّمس، والبياض للقمر، والتّلوّن لعطارد.

ويقال: إن العلّة الفاعلة للجواهر المعدنيّة هي الطّبيعة، والعلّة الطّينيّة الزّئبق والكبريت، والعلّة الصّوريّة دوران الأفلاك وحركات الكواكب حول الأركان الأربعة الّتي هي: النّار والهواء والماء والأرض، والعلّة التّماميّة المنافع التي ينالها الإنسان والحيوان.

ويقال: إن الجواهر المعدنيّة ثلاثة أنواع: منها ما يكون في التّراب والطّين والأرض السّبخة، ويتمّ نضجه في السّنة وأقلّ كالكباريت والأملاح والشّبوب والزّاجات وما شابهها، ومنها ما يكون في قعر البحار وقرار المياه، ولا يتمّ نضجه إلّا في السّنة أو أكثر كالدّرّ والمرجان، فإنّ أحدهما نبات وهو المرجان، والآخر حيوان، وهو الدّرّ.

ومنها ما يكون في وسط الحجر وكهوف الجبال وخلل الرّمال فلا يتمّ نضجه إلّا في السّنين، كالذهب والفضّة والنّحاس والحديد والرّصاص وما شاكلها، ومنها ما لا يتمّ نضجه إلّا في عشرات السنين، كالياقوت والزّبرجد والعقيق وما شاكلها.

وقال بعض من حضر المجلس- وهو الرّجل الفدم الثّقيل-: إنّ الزارع لا يزرع طالبا للعشب، بل قصده للحبّ، ولابدّ للعشب من أن ينبت إن أحبّ أو كره، فلم ذلك؟ فقيل له: قد يصحب المقصود ما ليس بمقصود، من حيث لا يتمّ المقصود إلّا بما ليس بمقصود، والعشب هو فضلات الحبّ، وبه صفاء الحبّ وتمامه، ولولا القوّة التي تصفّي الحبّ وتصوّره بصورته الخاصة به، وتنفي كدره وتحصّل صفوه لكان العشب في بدن الحبّ، وحينئذ لا يكون الحبّ المنتفع به المخصوص باسمه المعروف بعينه، بل يكون شيء آخر، فلمّا تميّزت تلك الشّوائب التي كانت ملابسة له من أجزاء الأرض والماء وآثار الهواء والنار، خلص منتفعا به، مقصودا بعينه، فوجب بهذا الاعتبار أن يكون الحبّ بالذّات، والعشب بالعرض.

فقال- أدام الله دولته-: هل تعرف العرب الفرق بين الرّوح والنّفس في كلامها؟

وهل في لفظها من نظمها ونثرها ما يدلّ على ما بينهما، أو هما كشيء واحد لحقه اسمان؟

فكان الجواب: إنّ الاستعمال يخلط هذا بهذه وهذه بهذا في مواضع كثيرة، وإذا جاء الاعتبار أفرد أحدهما من الآخر بالحدّ والرسم، وعلى هذا اتّفق رأي الحكماء، لأنّهم حكموا بأنّ الرّوح جسم لطيف منبثّ في الجسد على خاصّ ماهيته فيه فأمّا

<<  <   >  >>