للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي سليمان المنطقي، فيسأله الوزير عنهم وعن رأيه فيهم، وهكذا، يستطرد من باب لباب، حتى إذا انتهى المجلس كان الوزير يسأله غالبا أن يأتيه بطرفة من الطرائف يسميها غالبا: «ملحة الوداع» فيقول الوزير- مثلا-: إن الليل قد دنا من فجره، هات ملحة الوداع. وهذه الملحة تكون- عادة- نادرة لطيفة أو أبياتا رقيقة، وأحيانا يقترح الوزير أن تكون ملحة الوداع شعرا بدويا يشم منه رائحة الشيح والقيصوم وهكذا.

وأحيانا يكلفه الوزير أن يتم له المسألة المعروضة في رسالة، فقد سأله مرة عن المصادر التي تجيء على وزن تفعال، فأجابه أبو حيان عن بعضها، ثم طلب منه الوزير أن يجمع له ما جاء في اللغة منها.

وأحيانا يتخذ الكلام شكل حوار. فأبو حيان- مثلا- يروي عن ديوجانيس أنه سئل:

متى تطيب الدنيا؟. فقال: «إذا تفلسف ملوكها، وملك فلاسفتها» ، فلم يرض الوزير عن هذا، وقال: إن الفلسفة لا تصح إلا لمن رفض الدنيا وفرّغ نفسه للدار الآخرة، فكيف يكون الملك رافضا للدنيا وقاليا لها، وهو محتاج إلى سياسة أهلها، والقيام عليها باجتلاب مصالحها ونفي مفاسدها! - وأطال في ذلك- وفي كثير من الأحيان يعلق الوزير على إجابة أبي حيان بالاستحسان أو الاستهجان مع ذكر أسباب ذلك.

وأحيانا يطلب إليه الوزير أن يحضّر له رسالة في موضوع، ثم يتلوها عليه في جلسة مقبلة كما فعل مرة، إذ كلفه أن يكتب له في المجون والملح، ففعل أبو حيان وقرأها عليه في مجلس. قال أبو حيان: «فلما قرأتها على الوزير قال: ما علمت أن مثل هذا الحجم يحوي هذه الوصايا والملح» . وآونة يثير الوزير مسائل أشكلت عليه في اللغة والفلسفة والاجتماع يعرضها على أبي حيان ويطلب منه الجواب فيفعل.

ويحدث أحيانا أن الوزير يدفع لأبي حيان برقعة فيها أسئلة يطلب إليه أن يفكر في الإجابة عنها، ويتصل بغيره من العلماء ليأخذ رأيهم فيها، كما حدث مرة أنه دفع إليه رقعة بخطه فيها مطالب، وقال: باحث عنها أبا سليمان وأبا الخير، ومن تعلم أن في محاورته فائدة. وكان في الرقعة أسئلة منها عن الروح وصفته ومنفعته، وما المانع أن تكون النفس جسما أو عرضا أو هباء، وهل تبقى؟ وإن كانت تبقى فهل هي تعلم ما كان الإنسان فيه ههنا ... الخ. ويقول الوزير في آخر هذه الرقعة: «إن هذا وما أشبهه شاغل لقلبي وجاثم في صدري، ومعترض بين نفسي وفكري، وما أحب أن أبوح به لكل أحد» ، ويأمره بأن يكتم خطه فإن أراد أن يعرض هذه المسائل مكتوبة على أبي سليمان فلينسخها بخطه هو. ثم سأل أبو حيان أبا سليمان وذكر إجابته عنها ونقلها إلى الوزير، وعلى هذا النمط يجري تأليف الكتاب.

وموضوعات الكتاب متنوعة تنوعا ظريفا لا تخضع لترتيب ولا تبويب، إنما

<<  <   >  >>