ولا طرب ابن غسّان البصريّ المتطبّب إذا سمع ابن الرّفاء يغنّي:
وحياة من أهوى فإني لم أكن ... أبدا لأحلف كاذبا بحياته
لأخالفنّ عواذلي في لذّتي ... ولأسعدنّ أخي على لذّاته
وابن غسّان هذا مليح الأدب، وهو الذي يقول في ابن نصر العامل- وقد عالجه من علّة فلم يتفقّده ولم يقض حقّه-:
هب الشّعراء تعطيهم رقاعا ... مزوّرة كلاما عن كلام
فلم صلة الطّبيب تكون زورا ... وقد أهدى الشفاء من السّقام
عجبت لمن نمته أرض لؤم ... وبخل لم يعدّ من الكرام
نسبت إلى السماجة لا لشيء ... سوى نقصان لؤمك في اللئام
عنى بها أنه من أصبهان «١» ، وكان آخر حديث ابن غسان ما عرفته، فإنه غرّق نفسه في كرداب «٢» كلواذي، وذلك لأسباب تجمّعت عليه من صفر اليد، وسوء الحال، وجرب أكل بدنه، وعشق أحرق كبده على غلام (الآمديّ الحلاويّ) بباب الطاق، وحيرة عزب معها عقله، وخذله رأيه، وملكه حينه، ونسأل الله حسن العقبى بدرك المنى، وليس للإنسان من أمره شيء، وما هو آئض «٣» إليه فهو مملوك عليه، يصرّفه فيما يصرّف فيظنّ أنه أتى من قبله، ولعمري من غلّط غلط، ومن غولط غالط، والكلام في هذا غاشّ والإغراق فيه موسوس، والإعراض عنه أجلب للأنس، وما أحسن ما قال القائل:
إذا استعفيت من أسر اللّيالي ... تصرّفني فأسري في خلاصي
ولولا طيش القلم وتشعب الخاطر، وشرود الرأي، ما عثرت بهذا الموضع ولا علقت بهذا الحبل، نعم.
ولا طرب ابن نباتة الشاعر على صوت الخاطف إذا غنّت.
تلتهب الكفّ من تلهّبها ... وتحسر العين إن تقصّاها
كأنّ نارا بها محرّثة ... تهابها مرّة وتغشاها
نأخذها تارة وتأخذنا ... فنحن فرسانها وصرعاها