والتفجّع، وضمنت لك تلافي ذلك كلّه بحاقّ «١» الشفقة وخالص الضمير، ووعدتك صلاح الحال عن ثبات النيّة، وصحّة العقيدة، وقلت: أنا أرعى حقك القديم حين التقينا (بأرّجان) ، وأنا على باب (ابن شاهويه) الفقيه، وعهدك الحديث حين اجتمعنا بمدينة السلام سنة ثمان وخمسين، وأوصلك إلى الأستاذ أبي عبد الله العارض- أدام الله تأييده- وأخطب لك قبولا منه، وتخفيف الإذن عليك، وامتلاء الطّرف بك، ونيل الحظوة بخدمتك وملازمتك، وفعلت ذلك كلّه حتى استكتبك (كتاب الحيوان) لأبي عثمان الجاحظ، لعنايتك به، وتوفّرك على تصحيحه، ثم حضنت «٢» لك هذه الحال إلى يومنا هذا، وهو الوزير العظيم الذي افتقرت الدولة إلى نظره وأمره ونهيه، وإلى أن يكون هو المبرم والناقض، والرافع والواضع، والكافي والوافي، والمقرّب لخدمها ونصائحها، والمزحزح لحسدتها وأعدائها، والراعي لرعيّتها ودهمائها، والناهض بأثقالها وأعبائها، أعانه الله على ما تولّاه، وكفاه المهمّ في دنياه وأخراه، بمنّه وقدرته.
نعم، ورتّبت ذلك كلّه، ولم أقطع عنك عادتي معك في الاسترسال والانبساط، والبر والمواساة، والمساعدة والمواتاة، والتعصّب والمحاماة.
أفكان من حقّي عليك في هذه الأسباب التي ذكرتها، وفي أخواتها التي تركتها كراهة الإطالة بها، أنّك تخلو بالوزير- أدام الله أيّامه- ليالي متتابعة ومختلفة، فتحدّثه بما تحبّ وتريد، وتلقي إليه ما تشاء وتختار، وتكتب إليه الرّقعة بعد الرّقعة، ولعلّك في عرض ذلك تعدو طورك بالتّشدّق وتجوز حدّك بالاستحقار، وتتطاول إلى ما ليس لك، وتغلط في نفسك، وتنسى زلّة العالم، وسقطة المتحرّي، وخجلة الواثق، هذا وأنت غرّ لا هيئة لك في لقاء الكبراء، ومحاورة الوزراء، وهذه حال تحتاج فيها إلى عادة غير عادتك، وإلى مران سوى مرانك، ولبسة لا تشبه لبستك، وقلّ من قرّب من وزير خدم فأجاد، وتكلّم فأفاد، وبسط فزاد، إلّا سكر، وقلّ من سكر إلا عثر وقلّ من عثر فانتعش، وما زهد في هذه الحال كثير من الحكماء الأولين والعبّاد الربّانيّين، إلا لغلظها وصعوبتها، ومكروه عاقبتها، وشدة الصبر على عوارضها ورواتبها، وتفسّخ «٣» المتن «٤» بين حوادثها ونوائبها.
والعجب أنك مع هذه الخلّة تظنّ أنها مطويّة عنّي وخافية دوني، وأنك قد بلغت الغاية وادع القلب، وملكت المكانة ثاني العنان، وقد انقطعت حاجتك عني وعمن هو