وقال أيضا:
إذا ما لم يكن لك حسن فهم ... أسأت إجابة وأسأت فهما
آخر:
العلم ينعش أقواما فينقعهم ... كالغيث يدرك عيدانا فيحييها
فقال الوزير: عندي في صحيفة حفظ الصّبا: العلم سراج يجلّي الظلمة، وضياء يكشف العمى.
التّذلّل مكروه إلّا في استفادته، والحرص مذموم إلّا في طلبه، والحسد منهيّ عنه إلّا عليه.
ثم عاد الحديث إلى الممالحة:
حدثني مطهّر بن أحمد الكاتب عن ابن قرارة العطّار قال: اجتمع ذات يوم عندي على المائدة أبو عليّ بن مقلة وأبو عبد الله اليزيديّ، وكان ابن مقلة يفضّل الهريسة، وكان اليزيديّ يفضّل الجوذابة، وكان كلّ واحد منهما يصف النوع الذي يقول به ويؤثره، فقال اليزيديّ: الهريسة طعام السّوقيّين والسّفلة، وليست الجواذبة بهذه الصفة، فقال لي ابن مقلة: ما اسم الجوذابة بالفارسيّة؟ فقلت جوزاب، فقال:
ضمّ الكاف «١» . وفهمت ما أراد، فقلت: نسأل الله العافية، والله لقد عافتها نفسي، وسكت اليزيديّ.
قال يزيد بن ربيع: الكباب طعام الصّعاليك، والماء والملح طعام الأعراب، والهرائس والرّؤوس طعام السّلاطين، والشّواء طعام الدّعّار، والخلّ والزّيت طعام أمثالنا.
وحدّثني ابن ضبعون الصّوفيّ قال: قال لي أبو عمر الشاري صاحب الخليفة:
انهض بنا حتى نتغدّى، فإنّ عندي مصوصا وهلاما وبقيّة مطجّنة، وشيئا من الباذنجان البورانيّ البائت المخرّ. قلت: هذه كلها تزايين المائدة، فأين الأدم؟
كان عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس يكثر أكل الجوذاب ولا يؤثر عليه شيئا، وكان يقول: يشدّ العضدين، ويقوّي الساعدين، ويجلو الناظرين، ويزيد في سمع الأذنين، ويحمّر الوجنتين، ويزيد في المنيّ، وهو طعام شهيّ، فأيّ شيء بقي؟
وبلغ المنصور وصفه هذا، فقال: بحقّ ما وصفه، ولا نقبل أكله.
وقال وكيع بن الجرّاح: التّمتين على المائدة خير من زيادة لونين، وكمال المائدة كثرة الخبز، والسّميذ الأبيض أحلى من الأصفر.