قلت: ما ضمّته القدر من اللّحم وغيره، لأنه ينشل ويغرف، فقال: هذا باب إن ألححنا عليه جوّع.
قال: ما تحفظ في حديث الأكل؟ قلت: الأكل والذّمّ. ومن مليحه ما حضرني: قيل لجمّيز: ما تشتهي؟ قال: بسيس مقليّ بين غليان قدور، على رائحة شواء، بجنب خبيص.
فضحك- أضحك الله سنّه بالفرح والسّرور، وانتظام الأحوال واتساق الأمور-.
وقال: هات حديثا نخرج به ممّا كنّا فيه.
فقلت: كتب سعد بن أبي وقّاص إلى رستم صاحب الأعاجم: إسلامكم أحبّ إلينا من غنائمكم، وقتالكم أحبّ إلينا من صلحكم. فبعث إليه رستم: أنتم كالذّباب إذ نظر إلى العسل فقال: من يوصلني إليه بدرهمين، فإذ نشب فيه قال: من يخرجني منه بأربعة، وأنت طامع، والطمع سيرديك. فأجابه سعد: أنتم قوم تحادّون الله وتعاندون أنفسكم، لأنّكم قد علمتم أنّ الله يريد أن يحوّل الملك عنكم إلى غيركم، وقد أخبركم بذلك حكماؤكم وعلماؤكم، وتقرّر ذلك عندكم، وأنتم دائما تدفعون القضاء بنحوركم، وتتلّقون عقابه بصدوركم، هذه جرأة منكم وجهل فيكم، ولو نظرتم لأبصرتم، ولو أبصرتم لسلمتم، فإنّ الله غالب على أمره، ولمّا كان الله معكم كانت علينا ريحكم، والآن لمّا صار الله معنا صارت ريحنا عليكم، فانجوا بأنفسكم، واغتنموا أرواحكم، وإلا فاصبروا لحرّ السلاح وألم الجراح، وخزي الافتضاح، والسلام.
كتب حذيفة إلى عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: إنّ العرب قد تغيّرت ألوانها ولحومها. فكتب عمر إلى سعد: ارتد للعرب منزلا مراحا. فارتاد لهم الكوفة، وهي بقعة حصباء، ورملة حمراء، فقال سعد: اللهمّ ربّ السماء وما أظلّت، والأرض وما أقلّت، والرّيح وما ذرت، بارك لنا في هذه الكوفة.
وسمع عمر منشدا ينشد:
ما ساسنا مثلك يا بن الخطّاب ... أبرّ بالأقصى وبالأصحاب
بعد النبيّ صاحب الكتاب
فنخسه عمر وقال: أين أبو بكر ويلك.
قال عمر وهو بمكّة: لقد كنت أرعى إبل الخطّاب بهذا الوادي في مدرّعة