فقلت: أحفظ نصّا لبعض الحكماء: إنّ التّمنّي فضل حركة النّفس. فقال:
جواب رشيق وإن كان فقيرا إلى البسط. فقال: هات من حديث يونان شيئا آخر.
فقلت: قال أرسطوطاليس: لو كنّا نطلب العلم لنبلغ غايته كنّا قد بدأنا العلم بنقيضه، ولكنّا نطّلبه لننقص كلّ يوم من الجهل، ونزداد كلّ يوم من العلم.
قال: حدّثني بشيء فيه جواب حاضر، وللبديهة فيه توقّد ظاهر.
فحدّثت أنّ رجلا أتى الزّهريّ فسأله أن يحدّثه ويروي له، فأبى عليه، فقال له الرجل: إنّ الله لم يأخذ الميثاق على الجهّال أن يتعلّموا حتى أخذ الميثاق على العلماء أن يعلّموا، فقال: صدقت، وحدّثه.
وحدّثنا القاضي أبو حامد المرورّوذيّ، قال: وقف سائل من هؤلاء الأنكاد علينا في جامع البصرة وفي المجلس ابن عبدل المنصوريّ، وابن معروف، وأبو تمّام الزّينبيّ، فسأل وألحّ، فقلت له من بين الجماعة- وقد ضجرت من إلحاحه وصفاقة وجهه-: يا هذا: نزلت بواد غير ذي زرع. قال: صدقت، ولكن يجبى إليه ثمرات كلّ شيء. فضحكت الجماعة، ووهبنا له دراهم.
ومن الجواب الحاضر المسكت الّذي حزّ الكبد ونقب الفؤاد ما جرى لأبي الحسين البتّي مع الشريف محمد بن عمر، فإنّ ابن عمر قال للبتّيّ: أنت والله شمّامة ولكنّها مسمومة. فقال البتّيّ على النّفس: لكنك أيّها الشريف شمّامة مشمومة، عطّرت الأرض بها، وسارت البرد بذكرها.
وقال نصر بن سيّار بخراسان لأعرابي: هل أتخمت قطّ. قال: أمّا من طعامك وطعام أبيك فلا. فيقال: إنّ نصرا حمّ من هذا الجواب أيّاما، وقال: ليتني خرست ولم أفه بسؤال هذا الشّيطان.
وجرى حديث الذّكور والإناث، فقال الوزير: قد شرّف الله الإناث بتقديم ذكرهنّ في قوله عزّ وجلّ: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ
[الشورى: ٤٩] فقلت: في هذا نظر، فقال: ما هو؟
قلت: قدّم الإناث- كما قلت- ولكن نكّر، وأخّر الذّكور ولكن عرّف، والتّعريف بالتأخير أشرف من النّكرة بالتّقديم. ثم قال: هذا حسن. قلت: ولم يترك هذا أيضا حتى قال: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً
[الشورى: ٥٠] فجمع الجنسين بالتنكير مع تقديم الذّكران، فقال: هذا مستوفىّ.
وقال: ما معنى كأس أنف؟
فكان من الجواب أن يعقوب قال: يقال كأس أنف، أي لم يشرب منها قبل ذلك، وكذلك يقال: روضة أنف، إذا لم يكن رعاها أحد.