قال: وهذا أيضا يختلف بحسب المزاج والمزاج، والإنسان والإنسان، ألا ترى أنّك لو رمت تحويل البخيل من العرب إلى الجود كان أسهل عليك من تحويل البخيل من الرّوم إلى الجود، والطّمع في جبان التّرك أن يتحوّل شجاعا أقوى من الطّمع في جبان الكرد أن يصير بطلا.
قال: ومع هذا فوصف الأخلاق بالحدود- وإن كان على ما قدّمناه- نافع جدّا، وإضمارها في النّفس مثمر أبدا، فهذا هذا.
وأما ما قال أبو عليّ فإنّه هذا.
قيل: ما الحلم؟ قال: ضبط الفكر بكفّ الغضب.
وقال شيخنا أبو سعيد السّيرافيّ: اعتباره من ناحية الاسم تعطيل لطبعه وذلك أنّ الحلم شريك التّحلّم، «فكان الحليم الّذي يعدّ فيمن يحلم» في عرض الحليم الّذي لا يعاج عليه ولا يكترث له. قال: والتّحلّم نافع أيضا، وهو أحمد من التّحالم، لأنّ الثّاني أقرب إلى التّأنّي، كما أنّ الأوّل أقرب إلى الحقيقة.
وقيل لعيسى: ما العدل؟ فقال: القسط القائم على التّساوي.
وحكى جالينوس قال: إن الناس لشدّة حبّهم لأنفسهم يظنّون أنّ لهم ما يحبّون، فمن أجل ذلك وقعوا في العجب، فينبغي أن تكون محبّتك لنفسك حقيقيّة، ويتمّ ذلك لك إذا أنت صيّرت نفسك على الحال الّتي يرى من يرى أنّك عليها.
وقال: المعجب يحبّ نفسه أكثر ممّا يحقّ لها، وما أحسن بالإنسان أن يحبّ نفسه، ولكن بالعدل، فإن أراد أن يحبّها جدّا فيجب أن يجعلها من أهل المحبّة، ثم يحبّها من بعد.
قيل: فما الحسد؟ قال: شدّة الأسى على شيء يكون لغيره.
قيل: فما الكآبة؟ قال: إفراط الحزن.
قال أبو سليمان: الحزن والغمّ والهمّ والأسى والجزع والخور من شجرة واحدة، ومن تعاطى وصف أغصان شجرة طال عليه، ولم يحظ بطائل، ويكفي أن نعرف شجرة التّفّاح من شجرة المشمش، وشجرة الكمّثري من شجرة السّفرجل، فإنّ عواقب المعارف نكرات، كما أنّ فواتح المعارف جهالات.
قيل: فما الشّجاعة؟ قال: الإقدام في موضع الفرصة من جميع الأمور.
قال أبو سليمان: الشجاعة إذا كانت نطقيّة كانت فرصتها تعاطي الحكمة والدؤوب في بلوغ الغاية، وبذل القوّة في نيل البغية، وإذا كانت غضبيّة كانت فرصتها شفاء الغيظ إمّا من مستحقّ، وإما من غير مستحقّ، وإذا كانت شهويّة كانت فرصتها التّحلّي بالعفّة التامّة، أعني في الخلوة والحفل.
قال لنا أبو الحسن عليّ بن عيسى الرّمّانيّ الشيخ الصالح: العفّة واسطة بين المقارفة والعصمة، والعصمة واسطة بين البشريّة والملكيّة.