للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحكى عيسى بن زرعة في هذا الموضع- عند تدافع الحديث- أن أمورس قال: إنّي لأعجب من ناس يقولون: كان ينبغي أن يكون الناس على رأي واحد، ومنهاج واحد، وهذا ما لا يستقيم ولا يقع به نظام.

قال: وهب أن يكون الناس وكلّ واحد منهم ملكا يأمر وينهى ويستمع له ويطاع، فمن كان المأمور المؤتمر، والمنهيّ المنتهي، والعاقل الحصيف يعلم أنه لا بدّ من التفاوت الّذي به يكون التّصالح، كالعالم والمتعلّم، والآمر والمأمور والصانع والمصنوع له.

ثم قال عيسى: من توابع الأخلاق المذمومة الغضب والكذب والجهل والجور والدّناءة.

قال أبو سيلمان: أمّا الغضب فلا يكون مذموما إلّا إذا أعمل في غير أوانه، وعلى غير ما يأذن الناموس الحقّ به، وأمّا الكذب ففيه أيضا مصالح، كما أنّ الصّدق ربّما أفضى إلى كثير من المفاسد- وإن كان الصّدق قد فاز بالوصف الأحسن، والكذب قد وصف بالنعت الأقبح- فكم كذب نجّى من شرّ، وكم صدق أوقع في هوّة، وبقي الآن أن نعرف الصّدق مع أوانه ومكانه، فيؤتى به أو ينهى عنه، وكذلك الكذب على حذوه ومثاله.

قال: وأمّا الجهل والجور والدّناءة فإنّها أثافيّ الرّذائل، فينبغي أن ينتفى منها جملة وتفصيلا، ولا يسلك أحد إلى شيء منها سبيلا، فإنّها أعدام،- هكذا قال-، والعدم كريه ومهروب منه، والوجود على أنقص النّعوت أتمّ وأشرف من العدم على أزيد الصّفات، وإن كان لا زيادة في العدم إلّا من طريق الوهم العارض ما يصحّ وما لا يصحّ.

قيل: فما العجب؟ قال: وزن النفس بأكثر من مثقالها.

وقال أيضا: العجب هو النّظر في النّفس بعين ترى القبيح جميلا.

ويقال: المعجب يدّعي أنّ ما يعجب منه قد حصل له من غير أن يكون كذلك، فأمّا إذا كان ذلك حاصلا فالعجب ليس بعجب إلّا من طريق الاسم، وإلّا فهو في الحقيقة إحساس بالفضل المعشوق، وشعور بالكمال الموموق، واستدعاء للزّيادة ممّا صار به هكذا، واستعداد لقبول الفيض من معدنه بالاختيار الثاني والاعتياد الأوّل.

قيل: فما الوفاء؟ قال: قضاء حقّ واجب، وإيجاب حقّ غير واجب، مع رقّة أنسيّة، وحفيظة مرعيّة.

قيل: فما الرّغبة؟ قال: حركة تكون من شهوة يرجى بها منفعة.

قال أبو سليمان: الرّغبة إذا كانت نطقيّة كانت مبعثة على التّحلّي بالفضائل، وإذا كانت سبعيّة أو بهيميّة كانت ملهجة بمواقعة أضدادها من الرّذائل.

<<  <   >  >>