وقيل: ما المهنة؟ فقال: حركة يتعاطاها الإنسان بلا حفز ولا استكراه. قال عليّ بن عيسى: المهنة صناعة، ولكنها إلى الذلّ أقرب، وفي الضعة أدخل، والصناعة مهنة، ولكنّها ترتفع عن توابع المهنة، وفي الصّناعات ما يتّصل به الذّلّ أيضا، ولكن ذلّ ليس من جهة حقيقة الصّناعة، ولكن من جهة العرض الذي بين الصّناعة والصناعة، والمرتبة والمرتبة.
قيل: فما العادة؟ قال: حال يأخذ بها المرء نفسه من غير أن تكون مسنونة يجري عليها مجرى ما هو مألوف طبيعيّ.
قال أبو سليمان: كأنّ هذا الاسم ليس يخلّص إلّا لمن أتى شيئا مرارا، فأمّا في أوّل ذلك فليس له هذا النعت، وإنّما يصير مألوفا بالتّكرار، ولهذا ما صيغت الكلمة من عاد يعود واعتاد يعتاد.
وأمّا قوله: طبيعيّ، فعلى وجه التّشبيه، لأن الطبيعيّ أشدّ رسوخا وأثبت عرقا، وأبعد من الانتفاض، فأمّا العادة فكلّ ذلك جائز عليها، وغير مأمون من الوقوع فيه.
قيل: كم الحركات؟ قال: ستّة أصناف، أوّلها حركة الانتقال، وهي ضربان: إمّا حركة الجسم بكلّه من مكان إلى مكان، وإمّا حركته بأجزائه كالفلك والرّحى، والثاني حركة الكون، والثالث حركة الفساد، والرابع حركة الرّبوّ، والخامس حركة النّقض والبلى، والسادس حركة الاستحالة، وهي ضربان: أمّا في الجسم فمثل اللّون، وأمّا في النّفس فمثل الغضب والرّضا، والعلم والجهل.
قال الكنديّ: وهاهنا حركة أخرى، وهي حركة الإبداع، إلّا أنّ بينها وبين حركة الكون فرقا، لأنّ هذه لا من موضوع، وحركة الكون من فساد جوهر قبله بحدوثه، ولذلك قيل: إن الكون خروج من حال خسيسة إلى حال نفيسة.
قال أبو سليمان: حركة الإبداع عبارة بسيطة لا يجب أن يفهم منها معنى مركّب. قال: وإنّما قلت هذا لأنّ اللّفظ نظير اللّفظ في أغلب الأمر وليس المعنى نظير المعنى في أغلب الأمر، واللّفظ كلّه من واد واحد في التركب بلغة كلّ أمّة، والمعاني تختلف في البساطة على قدر العقل والعقل، والعاقل والعاقل، وإنّما حركة الإبداع مشار بها إلى مقوّم الأشياء بلا كلفة فاعل، ولا معاناة صانع، وإنّها بدت بالمبدع من المبدع للمبدع لا على أنّ الباء ألصقت به شيئا، ولا على أنّ من فصلت منه شيئا، ولا على أنّ اللّام أضافت إليه شيئا، فإنّ هذه العلامات والأمارات كلّها موجودة في الأشياء الّتي تعلّقت بالإبداع، فلم يجز أن ينعت بها المبدع، ولو جاز هذا لكان