للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

داخلا فيها، وموجودا بها، وهذا بعيد جدا. فلمّا جلّ عن هذه الصّفات بالتّحقيق في الاختيار وصف بها بالاستعارة على الاضطرار، لأنّه لابدّ لنا من أن نذكره ونصفه وندعوه ونعبده ونقصده ونرجوه ونخافه ونعرفه وننحوه ونطلب ما عنده ونواجهه ونكافحه، وهذه نعمة منه علينا، ولطف منه بنا، وحكمة بينه وبيننا وإلا كانت العصمة تنبتر، والطمع ينقطع، والأمل يضعف، والرّجاء يخيب، والأركان تتخلخل، والذّرائع ترتفع، والوسائل تمتنع، والقواعد تسيح، والرّغبات تسقط، والجود والكرم والحكمة والقدرة والجبروت والملكوت تأبى ذلك، فصارت هذه الأسماء والصّفات سلالم لنا إليه، لا حقائق يجوز أن يظنّ به شيء منها، على سبيل السّياج الممدود والمنهاج المحدود.

سقت كلام عيسى في تصنيف الحركات من أجل هذه الفقرة الّتي كانت محفوظة في حركة الإبداع، فإني قد وجدت للقوم في هذا الباب حيرة عارضة أو راكدة، لا يستطيعون التّفصّي عنها، ولا يقدرون على البراءة منها، للضّلال الذي قد لزمهم، والأصنام الّتي قد تربّعت في نفوسهم، والأمثلة الّتي قد خالطت عقولهم، والأفياء التي استصحبوها من إحساسهم، والقائل هذا ينبغي أن يتحرّى ويتلبّث حتّى يعرى من هذه الأشياء ويتريّث، فحينئذ أضمن له أن يصحّ توحيده، ويتمّ تجريده، وإلى التوحيد تنتهي الفلسفة بأجزائها الكثيرة، وأبوابها المختلفة، وطرقها المتشعّبة.

وأنا أعوذ بالله من صناعة لا تحقّق التّوحيد ولا تدلّ على الواحد ولا تدعو إلى عبادته، والاعتراف بوحدانيّته، والقيام بحقوقه، والمصير إلى كنفه، والصبر على قضائه، والتسليم لأمره، ووجدت أرباب هذه الصناعات، أعني الهندسة والطبّ والحساب والموسيقى والمنطق والتّنجيم معرضين عن تجشّم هذه الغايات، بل وجدتهم تاركين الإلمام بهذه الحالات، وهذه آفة نسأل الله السّلامة منها، والعافية من عواقبها، والسلام.

قيل: ما التّمام؟ قال: بلوغ الشيء الحدّ الّذي ما فوقه إفراط، وما دونه تقصير.

قال أبو سليمان: التمام أليق بالمحسوسات، والكمال أليق بالأشياء المعقولة.

قال: وليست هذه الفتيا منّي جازمة، ولا عن العرب العاربة مرويّة، ولكن إذا لحطنا المعاني مختلفة، طلبنا لها أسماء مختلفة، ليكون ذلك معونة لنا في تحديد الأشياء أو في وصف الأشياء من طريق الإقناع الكافّ للجدل والتهمة، أو من طريق البرهان القاطع بالحجّة، الرافع للشّبهة، أو من طريق التّقليد الجاري على السّنن والعادة.

قال: ولهذا إذا قيل: ما أتمّ قامته! كان أحسن، وإذا قيل: ما أكمل نفسه! كان أجمل.

<<  <   >  >>