للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم حدّث فقال:

اجتمع رجلان: أحدهما يقول بقول هشام، والآخر يقول بقول الجواليقيّ، فقال صاحب الجواليقيّ لصاحب هشام: صف لي ربّك الّذي تعبده، فوصفه بأنه لا يد له ولا جارحة ولا آلة ولا لسان، فقال الجواليقيّ: أيسرّك أن يكون لك ولد بهذا الوصف! قال: لا، قال: أما تستحي أن تصف ربّك بصفة لا ترضاها لولدك! فقال صاحب هشام: إنّك قد سمعت ما نقول، صف لي أنت ربّك. فقال: إنه جعد قطط في أتمّ القامات وأحسن الصّور والقوام. فقال صاحب هشام: أيسرّك أن تكون لك جارية بهذه الصّفة تطؤها؟! قال: نعم، قال: أفما تستحي من عبادة من تحبّ مباضعة مثله!! وذلك لأنّ من أحبّ مباضعته فقد أوقع الشّهوة عليه.

فقال: هذا من شؤم الكلام ونكد الجدل، فلو كان هناك دين لكان لا يدور هذا في وهم ولا ينطق به لسان.

وحكى أيضا قال: ابتلي غلام أعجميّ بوجع شيد، فجعل يتأوّه ويتلوّى ويصيح. فقال له أبوه: يا بنيّ اصبر واحمد الله تعالى فقال: ولماذا أحمده! قال:

لأنّه ابتلاك بهذا، فاشتدّ وجع الغلام ورفع صوته بالتأوّه أشدّ ممّا كان، فقال له أبوه:

ولم جزعك! فقال: كنت أظنّ أنّ غير الله ابتلاني بهذا فكنت أرجوه أن يعافيني من هذا البلاء ويصرفه عنّي، فأمّا إذ كان هو الّذي ابتلاني به فمن أرجو أن يعافيني! فالآن اشتدّ جزعي، وعظمت مصيبتي. قال: ولو علم أنّ الّذي ابتلاه هو الذي استصلحه بالبلاء ليكون إذا وهب له العافية شاكرا له عليها بحسّ صحيح وعلم تامّ، لكان لا يرى ما قاله وتوهّمه لازما.

وحكى أيضا أنّ رجلا من العجم حجّ وتعلّق بأستار الكعبة فطفق يدعو ويقول:

يا من خلق السّباع الضارية، والهوامّ العادية، وسلّطها على الناس، وضربهم بالزّمانة والعمى والفقر والحاجة، فوثب الناس عليه وسبّوه وزجروه وقالوا: ادع الله بأسمائه الحسنى. فأظهر لهم الندّامة، والتّقارف فخلّوا عنه بعد ما أرادوا الوقيعة به، فرجع وتعلّق بأستار الكعبة، وجعل ينادي: يا من لم يخلق السّباع الضّارية، ولا الهوامّ، ولا سلّطها على النّاس، ولم يضرب الناس بالأوجاع والأسقام. فوثبوا عليه أيضا وقالوا له: لا تقل هذا فإنّ الله خالق كلّ شيء، فقال: ما أدري كيف أعمل؟ إن قلت: إنّ الله خالق هذه الأشياء وثبتم عليّ، وإن قلت: إنّ الله لم يخلقها وثبتم عليّ. فقالوا:

هذا ينبغي أن تعلمه بقلبك ولا تدع الله به.

قال أبو سليمان: وهذا أيضا من شؤم الكلام وشبه المتكلّمين الّذين يقولون: لا يجوز أن يعتقد شيء بالتقليد، ولابدّ من دليل، ثم يدلّلون ويختلفون، ثم يرجعون إلى القول بأنّ الأدلّة متكافئة.

<<  <   >  >>