فقال: أيظلمني وليّ نعمتي صراحا بلا ذنب، ويجتاحني بلا جريمة، ويثلم دولته بلا حجّة؟
قلت: الله يقيك ويكفيك، نراك بلا ذنب، ونجدك بريئا من كلّ عيب، وغيرك لا يراك بهذه العين، ولا يحكم لك بهذا الحكم، فإن كنت ترى فرصة فانتهزها، وإن كنت تحلم بغصّة فاحترز منها، فأبواب النّجاة مفتّحة، وطرق الأمان متوجّهة، والأخذ بالاحتياط واجب، قد قرب الشّاخص من هذا المكان، والقيامة قد قامت بالإرجاف، والطّيرة قشعريرة النّفس، كما أنّ القشعريرة طيرة البدن، والاسترسال كلال الحسّ، والفأل لسان الزمان، وعنوان الحدثان، ولا يقع في الأفواه إلّا ما يوجب الحذر، ويبعث على الرّأي والنّظر، واستقراء الأثر والخبر.
قال: أمّا أنّا بعد التّوكّل على الله فقد استظهرت بمحمد بن إبراهيم صاحب نيسابور، وبفخر الدّولة وهو بهمذان على ثلاثة أيام، وبعزّ الدّولة وهو بمدينة السّلام، ومتى حرب حارب، وراب رائب، أويت إلى واحد من هؤلاء.
قال: قلت: هاهنا ما هو أسهل من هذا وإن كان أهول، وأنجى وإن كان أشجى، وأقرب وإن كان أعزب.
قال ما هو؟ فرّج عنّي واهدني.
قلت: لمّا يدخل هذا الوارد الدّار، ويدنو من طرف البساط، تندر رأسه عن كاهله، وتلقي شلوه في مزبلة، فإنّ الهيبة تقع، والنّائرة تخبو، والعجب يغمر، والظّنّة تزول، والصّدر يشتفي، والاعتذار ينتفي، ويكتب إلى موفده بأنّ الرّأي أوجب هذا الفعل، لأنّه غلب على الظّنّ أنّه وافى لكيد يوصله إليّ، وبلاء يفرغه عليّ، فأزلت هذا الظّنّ باليقين، ودفعت الشّبهة بالجلاء، واستخلصت النور من الظّلام، ولأن تبعد ساقطا من خدمك، يسوء ظني به من جهتك، ويقدح في طاعتي لك، ويضرم فيّ نار التّهمة بيني وبينك، خير لي في نصيحتي لدولتك، وخير لك في بقائي على أمرك ونهيك، من أن يلتاث ضميري في سياسة دولتك، وتحول نيّتي عمّا عهدت من القيام بحقّ جندك ورعيّتك، وحفظ قاصيتك ودانيتك.
فقال: هذا أعظم، والله المستعان.
وليتني أصبت بهذا الرّأي امرأ علا عقله، فيقبله ببيان، أو يردّه ببرهان، فكان يقوى أو يضعف، ويقدم عليه أو يحجم عنه، فإنّ المبرم أقوى من السّحيل، والسمين أحمد من النّحيل، ثم كان ما كان. وكان مشايخ العراق والجبل يرون ما حدث بذلك الفتى أمرا فريّا، وظلما عبقريّا.
وحدّثني القومسيّ أنّه لم يتقدّم بذلك أمر، ولا سبق به إذن، ولكن لمّا حدث ما حدث، وقع عنه إمساك، وسترت الكراهية والإنكار.