وللأمور أيّها الوزير ظهور وبطون، وهواد وأعجاز، وأوائل وأواخر، وليس على الإنسان أن يدرك النجاح في العواقب، وإنّما عليه أن يتحرّز في المبادئ، ولهذا قال القائل:
لأمر عليهم أن تتمّ صدوره ... وليس عليهم أن تتمّ عواقبه
وقال سليمان بن عبد الملك أو غيره من أهل بيته: ما لمت نفسي على فوت أمر بدأته بحزم، ولا حمدتها على درك أمر بدأته بعجز.
هاهنا ناس إذا تلاقوا ينفث بعضهم إلى بعض بما هو صريح وكناية، ويحتاج الأمر إلى ابن يوسف، ويستملي الخبيث من الجالس فوق مشرعة مكان الرّوايا.
وليس يصحّ كلّ ما يقال فيروى على وجهه، وليس يخفى أيضا كلّ ما يجري فيمسك عنه، والأمور مرجة، والصدور حرجة، والاحتراس واجب، النصح مقبول، والرّأي مشترك، والثقة بالله من اللّوازم على من عرفه وآمن به، وليس من الله عزّ وجلّ بدّ على كلّ حال.
والله أسأل الدفاع عنك، والوقاية لك، في مصبحك وممساك، وفي مبيتك ومقيلك، وشهادتك وغيبتك، ولذوي مليحا في هذا الباب نفخ وإيقاد، وتناقل وائتمار، ومسألة وجواب.
وعند الشيخ أبي الوفاء من هذا الحديث ومن غيره ممّا يتّصل به من ناحية ابن اليزيديّ ما يجب أن يصاخ له بالأذن الواعية، ويقابل بالنّفس الراعية، ويداوى بالدّواء الناجع، وتحسم مادّته من الأصل، فإنّ الفساد إذا زال حصل مكانه الصلاح. وليس بعد المرض إلّا الإفراق، ولا بعد النّزع إلّا الإغراق.
إلى هاهنا انتهى نفسي بالنّصح وإن كانت شفقتي تتجاوزه، وحرصي يستعلي عليه، لكنّي خادم، وكما يجب عليّ أن أخدم بنيّات الصدر، فينبغي أن ألزم الحدّ بحسن الأدب.
والله إني لوادّ مخلص، وعبد طائع، ورجائي اليوم أقوى من رجائي أمس، وأملي غدا أبسط من أملي اليوم، أشكو إليك الأرق باللّيل فكرا فيما يقال، وتحفّظا ممّا ينال، وتوهّما لما لا يكون إن كان، وشرّ العدا، الذين يتمنّون لأولي نعمتهم الرّدى، ويبيّتون النّكائث، ويكسرون الأجفان، ويتخازرون بالأعين، ويتجاهرون بالأذى إذا تلاقوا، ويتهامسون بالألسن إذا تدانوا، والله يصرع خدودهم، ويضرع خدودهم بين يديك، وهذه الرّقّة منّي والحفاوة، وهذه الرّعشة والقلق، وهذا التّقبّع والتفزّع كلّه، لأني ما رأيت مثلك، ولا شاهدت شبهك، كرم خيم، ولين عريكة، وجود بنان، وحضور بشر، وتهلّل وجه، وحسن وعد، وقرب إنجاز، وبذل مال، وحبّ حكمة.