ليالي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود بألف دينار من بيت مال المسلمين.
فقيل: يا أمير المؤمنين، أتقول هذا مع تحرّيك وشدّة تحفّظك وتنزّهك؟ فقال: أين يذهب بكم؟ والله إني لأعود برأيه ونصحه وهدايته على بيت مال المسلمين بألوف وألوف دنانير، إنّ في المحادثة تلقيحا للعقول، وترويحا للقلب، وتسريحا للهمّ، وتنقيحا للأدب.
قال: صدق هذا الإمام في هذا الوصف، إن فيه هذا كلّه.
قلت: وسمعت أبا سعيد السيرافيّ يقول: سمعت ابن السّرّاج يقول: دخلنا على ابن الروميّ في مرضه الذي قضى فيه، فأنشدنا قوله:
ولقد سئمت مآربي ... فكأنّ أطيبها خبيث
إلّا الحديث فإنّه ... مثل اسمه أبدا حديث
وقال سليمان بن عبد الملك:«قد ركبنا الفاره، وتبطّنّا الحسناء، ولبسنا اللّين، وأكلنا الطيّب حتى أجمناه «١» ، وما أنا اليوم إلى شيء أحوج منّي إلى جليس يضع عني مؤونة التحفّظ ويحدّثني بما لا يمجّه السمع، ويطرب إليه القلب» . وهذا أيضا حقّ وصواب، لأنّ النفس تملّ، كما أنّ البدن يكلّ، وكما أن البدن إذا كلّ طلب الراحة، كذلك النفس إذا ملّت طلبت الرّوح وكما لابد للبدن أن يستمدّ ويستفيد بالجمام الذاهب بالحركة الجالبة للنّصب والضجر، كذلك لابدّ للنفس من أن تطلب الرّوح عند تكاثف الملل الداعي إلى الحرج فإن البدن كثيف النفس، ولهذا يرى بالعين، كما أن النفس لطيفة البدن، ولهذا لا توجد إلّا بالعقل، والنفس صفاء البدن، والبدن كدر النفس.
فقال: أحسنت في هذه الروايات على هذه التوشيحات وأعجبني ترحّمك على شيخك أبي سعيد، فما كلّ أحد يسمح بهذا في مثل هذا المقام، وما كل أحد يأبه لهذا الفعل، هات ملحة الوداع حتى نفترق عنها، ثم نأخذ ليلة أخرى في شجون الحديث.
قلت: حدّثنا ابن سيف الكاتب الراوية، قال: رأيت جحظة قد دعا بنّاء ليبني له حائطا، فحضر، فلمّا أمسى اقتضى البنّاء الأجرة، فتماكسا «٢» وذلك أنّ الرجل طلب عشرين درهما، فقال جحظة: إنّما عملت يا هذا نصف يوم وتطلب عشرين درهما؟
قال: أنت لا تدري، إنّي قد بنيت لك حائطا يبقى مائة سنة، فبينما هما كذلك وجب الحائط وسقط، فقال جحظة: هذا عملك الحسن؟ قال: فأردت أن يبقى ألف سنة؟
قال: لا، ولكن كان يبقى إلى أن تستوفي أجرتك. فضحك- أضحك الله سنّه-.