للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمّا قولهم: «هذا شيء خلق» ، فهو مضمّن معنيين: أحدهما يشار به إلى أنّ مادّته بالية، والآخر أنّ نهاية زمانه قريبة. وكان ابن عبّاد قال لكاتبه مرّة- أعني ابن حسولة- في شيء جرى ... «نعم، العالم عتيق ولكن ليس بقديم» أي لو كان قديما لكان لا أوّل له، ولمّا كان عتيقا كان له أوّل، ومن أجل هذا الاعتقاد وصفوا الله تعالى بأنّه قديم، واستحسنوا هذا الإطلاق. وقد سألت العلماء البصراء عن هذا الإطلاق، فقالوا: ما وجدنا هذا في كتاب الله- عزّ وجلّ- ولا كلام نبيّه- صلّى الله عليه وسلّم- ولا في حديث الصحابة والتابعين.

وسألت أبا سعيد السّيرافيّ الإمام: هل تعرف العرب أنّ معنى القديم ما لا أوّل له؟ فقال:

هذا ما صح عندنا عنهم ولا سبق إلى وهمنا هذا منهم، إلّا أنهم يقولون: «هذا شيء قديم» و «بنيان قديم» ويسرّحون وهمهم في زمان مجهول المبدأ.

فقال: قد مرّ في كلامك شيء يجب البحث عنه، ما الفرق بين الحادث والمحدث والحديث؟

فكان من الجواب أنّ الحادث ما يلحظ نفسه والمحدث ما يلحظ مع تعلّق بالذي كان عنه محدثا. والحديث كالمتوسّط بينهما مع تعلّق بالزمان ومن كان منه.

وههنا شيء آخر، وهو الحدثان والحدثان، فأما الأول فكأنه لما هو «١» مضارع للحادث، وأما الحدثان فكأنه اسم للزمان فقط، لأنه يقال: «كان كذا وكذا في حدثان ما ولي الأمير» ، أي في أوّل زمانه، وعلى هذا يدور أمر الحدث والأحداث والحادث والحوادث. «وفلان حدث ملوك» كله من ديوان واحد وواد واحد وسبك واحد.

قال: «ما الفرق بين حدث وحدث» ؟

قلت: لا فرق بينهما إلا من وجهة أنّ حدث تابع لقدم، لأنه يقال: أخذه ما قدم وما حدث، فإذا قيل لإنسان: حدّث يا هذا. فكأنه قيل له: صل شيئا بالزمان يكون به في الحال، لا تقدّم له من قبل.

ثم رجعت فقلت: ولفوائد الحديث ما صنّف (أبو زيد) رسالة لطيفة الحجم في المنظر، شريفة الفوائد في المخبر، تجمع أصناف ما يقتبس من العلم والحكمة والتجربة في الأخبار والأحاديث، وقد أحصاها واستقصاها وأفاد بها. وهي حاضرة.

فقال: احملها واكتبها، ولا تمل إلى البخل بها على عادة أصحابنا الغثاث.

قلت: السمع والطاعة.

ثم رويت أنّ عبد الملك بن مروان قال لبعض جلسائه: قد قضيت الوطر من كلّ شيء إلّا من محادثة الإخوان في الليالي الزّهر، على التّلال العفر.

وأحسن من هذا ما قال عمر بن عبد العزيز قال: والله إنّي لأشتري ليلة من

<<  <   >  >>