للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرحيم، فإنه شريف النفس طاهر الطّويّة، ليّن العريكة، كثير الديانة، وهذه أخلاق لا تصلح اليوم مع الناس، قال الشاعر «١» :

ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم

وقال:

ومن لا يذد عن حوضه النّاس أو يكن ... له جانب يشتدّ إن لان جانب

يطأ حوضه المستور دون وتغشه ... شوائب لا تبقى عليها النقائب

وما ضاع قولهم: لا تكن حلوا فتؤكل، ولا مرّا فتعاف. ليس الحذر يقي فكيف التهوّر، أههنا لحى تسحب كلّ يوم، وطوارق تتوقّع كلّ ليلة! والتوكّل والاستسلام يليقان بأهل الدّين في طلب الآخرة، فأمّا أصحاب الدنيا وأرباب المراتب، فيجب أن يدعوا الهوينا جانبا، ويشمرّوا للنفع والضّر، والخير والشرّ ويكون ضرّهم أكثر، وشرّهم أغلب، ورهبوت خير من رحموت.

ولهذا قال الأعرابي:

أنا الغلام الأعسر ... الخير فيّ والشّر

والشرّ فيّ أكثر

وهذا معنى بديع، ولم يرد أنّ البداءة بالشرّ خير من الخير، وإنما أراد أنّي أتّقي بالشر، وإذا أقبل الشرّ قلت له: مرحبا، وأدفع الشرّ ولو بالشر، والحديد بالحديد يفلح «٢» . وقد قال الآخر:

وفي الشرّ نجاة حى ... ن لا ينجيك إحسان

وقال ابن دارة:

إذا كنت يوما طالب القوم فاطّرح ... مقالتهم واذهب بهم كلّ مذهب

وقارب بذي حلم وباعد بجاهل ... جلوب عليك الشرّ من كلّ مجلب

فإن حدبوا فاقعس وإن هم تقاعسوا ... ليستمسكوا ممّا يريدون فاحدب

وإن حلبوا خلفين فاحلب ثلاثة ... وإن ركبوا يوما لك الشر فاركب

وقال الحجاج بن يوسف أبو محمد- وهو من رجالات العرب وقد قهر العجم بالدهاء والزكانة- «لو أخذت من الناس مائة ألف، كان أرضى عنّي من أن أفرّق فيهم مائة ألف» . كان الناس بالأمس مزمومين مخطومين، يقوم كل واحد بنفسه على نفسه،

<<  <   >  >>