الجاحظ مدبّر بأشياء لا تلتقي عند كلّ إنسان ولا تجتمع في صدر كلّ أحد: بالطبع والمنشأ والعلم والأصول والعادة والعمر والفراغ والعشق والمنافسة والبلوغ، وهذه مفاتح قلّما يملكها واحد، وسواها مغالق قلّما ينفكّ منها واحد.
وأمّا ابنه ذو الكفايتين، فلو عاش كان أبلغ من أبيه، كما كان أشعر منه، ولقد تشبّه بالجاحظ فافتضح في مكاتبته لإخوانه، ومجانته في كلامه ومسائله لمعلّمه التي دلّتنا على سرقته وغارته وسوء تأتّيه، في تستّره وتغطّيه، ومن شاء حمّق نفسه، وكان مع هذا أشدّ الناس ادّعاء لكل غريبة، وأبعد الناس من كلّ قريبة، وهو نزر المعاني، شديد الكلف باللّفظ، وكان أحسد الناس لمن خطّ بالقلم، أو بلغ باللّسان، أو فلج في المناظرة، أو فكه بالنادرة، أو أغرب في جواب، أو اتّسع في خطاب، ولقد لقي الناس منه الدواهي لهذه الأخلاق الخبيثة، وقد ذكرت ذلك في الرسالة، وإذا بيّضت وقفت عليها من أوّلها إلى آخرها إن شاء الله، وانصرفت.