للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شاكرون، ولأياديه ناشرون، وعلى اختلاف قضائه صابرون، ولثوابه بالحسنات مستحقّون، ولعقابه بالسيّئات مستوجبون، ولعفوه برحمته منتظرون، والله خبير بما يعملون، وبصير بما يسرّون وما يعلنون، وأبو سليمان يقول من الجماعة: العرب أذهب مع صفو العقل، ولذلك هم بذكر المحاسن أبده، وعن أضدادها أنزه. ولو كانت روّيتهم في وزن بديهتهم، كان الكمال، ولكن لمّا عزّ الكمال فيهم، عزّ أيضا في غيرهم من الأمم، فالأمم كلّها شرع واحد في عدم الكمال إلّا أنّهم متفاضلون بعد هذا فيما نالوه بالخلقة الأولى، وبالاختيار الثاني، واختلفت أبصارهم في هذا الموضع، فأمّا ما منعه الإنسان في الأوّل فلا عتب عليه فيه، لأنّه لا يقال للأعمى: لم لا تكون بصيرا، ولا يقال للطويل: لم لا تكون قصيرا وقد يقال للقصير: سدّد طرفك، واكحل عينك، ومدّ ناظرك، كما يقال للطويل، تطامن، في هذا الزّقاق حتى تدخل، وتقاصر حتى تصل، وأما ما لم يمنعه الإنسان في الأوّل، بل أعطيه ووهب له، فهو فيه مطّلب بما عليه وله كما أنّه مطالب بما له وعليه.

وقال الجيهانيّ أيضا: ليس للعرب كتاب إقليدس ولا المجسطيّ ولا الموسيقي ولا كتاب الفلاحة، ولا الطّبّ ولا العلاج، ولا ما يجري في مصالح الأبدان، ويدخل في خواصّ الأنفس.

فليعلم الجيهانيّ أنّ هذا كلّه لهم بنوع إلهيّ لا بنوع بشريّ، كما أنّ هذا كلّه لغيرهم بنوع بشريّ لا بنوع إلهيّ، وأعنى بالإلهيّ والبشريّ الطّباعيّ والصناعيّ، على أن إلهيّ هؤلاء قد مازجه بشريّ هؤلاء، وبشريّ هؤلاء قد شابه إلهيّ هؤلاء، ولو علم هذا الزاري لعلم أن المجسطي وما ذكره ليس للفرس أيضا، وما عندي أنّه مكابر فيدّعي هذا لهم. فإن قال: هو لليونان، ويونان من العجم، والفرس من العجم، فأنا أخرج هذه الفضيلة من العجم إلى العجم فهذا منه حيف على نفسه، وشهادة على نقصه، لأنّه لو فاخر يونان لم يستطع أن يدّعي هذا للفرس، ولا يمكنه أن يقول: نحن أيضا عجم، وفضيلتكم في هذه الكتب والصناعة متّصلة بنا، وراجعة إلينا. ومتى قال جبه بالمكروه وقوبل بالقذع «١» ، وقيل له: صه، كما يقال للجاهل- إن لم تقل له: «اخسأ» كما يقال- في كل الأحاديث، وإن أغفلته ظلمت نفسي، ومن حابى خصمه غلب.

قال القاضي أبو حامد المرورّوذيّ: لو كانت الفضائل كلّها بعقدها وسمطها، ونظمها ونثرها، مجموعة للفرس، ومصبوبة على أرؤسهم، ومعلّقة بآذانهم، وطالعة من جباههم، لكان لا ينبغي أن يذكروا شأنها، وأن يخرسوا عن دقّها وجلّها، مع نيكهم الأمهات والأخوات والبنات فإن هذا شيء كريه بالطباع، وضعيف بالسّماع،

<<  <   >  >>