العبيد وسفهاء الناس وداصة «١» الرعيّة وسفلة العامّة، على أنا ما سمعنا هذا إلّا في مجلس ابن عبّاد، منه وممّن كان يخبط في هواه، ويتحرّى بمثل هذه الأحاديث رضاه، وحسده لهم في صناعتهم يبعثه على هذه الأكاذيب عليهم، فالعجيب أنه يظن أن كذبه على غيره ينفي الصدق عن نفسه، ولو نزّه لسانه ومجلسه ومذهبه وأبوّته لكان أولى به وأزين له، ولكن النعمة والقدرة إذا عدمتا عقلا سائسا وحزما حارسا ودينا متينا وطريقا قويما أوردتا ولم تصدرا وخذلتا ولم تنصرا، ونعوذ بالله من نعمة تحور بلاء، ومرحبا ببلاء يورث يقظة ويكون تمحيصا لما نقص من التقصير، ولكن من هذا الّذي يشرب فلا يسكر ولا يثمل؟ ومن هذا الّذي إذا سكر عقل؟ ومن هذا الّذي إذا صحا لا يعتقب من شرابه خمارا يصدّع الرأس ويمكّن الوسواس؟
فقال: هذه جملة قامعة لمن ادّعى دعواه أو نحا منحاه، وأنّى لك هذا؟ لم لا تداخل صاحب ديوان ولم ترضى لنفسك بهذا اللّبوس؟
فقال: كنيت عن الكسل بحبّ السلامة، وعن الفسولة بالرضا باليسير.
قلت: إذا كنت لا أصل إلى السلامة إلّا بالفسولة، ولا أتطعّم الراحة إلّا بالكسل، فمرحبا بهما.
فقال: لكلّ إنسان رأي واختيار وعادة ومنشأ ومألوف وقرناء متى زحزح عنها قلق، ومتى أريغ على سواها فرق، أظنّ أنّه قد نصف اللّيل. قلت: لعلّه. قال: في الدّعة، قد خبأت لك مسألة، وسألقيها عليك بعدها- إن شاء الله تعالى- وانصرفت.