للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمعرفة الموزون أيّما هو حديد أو ذهب أو شبه»

أو رصاص؟ فأراك بعد معرفة الوزن فقيرا إلى معرفة جوهر الموزون وإلى معرفة قيمته وسائر صفاته التي يطول عدّها، فعلى هذا لم ينفعك الوزن الذي كان عليه اعتمادك، وفي تحقيقه كان اجتهادك، إلّا نفعا يسيرا من وجه واحد، وبقيت عليك وجوه، فأنت كما قال الأوّل:

حفظت شيئا وغابت عنك أشياء

وبعد، فقد ذهب عليك شيء هاهنا، ليس كلّ ما في الدنيا يوزن، بل فيها ما يوزن، وفيها ما يكال، وفيها ما يذرع، وفيها ما يمسح وفيها ما يحزر وهذا وإن كان هكذا في الأجسام المرئيّة، فإنّه على ذلك أيضا في المعقولات المقرّرة، والإحساسات ظلال العقول تحكيها بالتقريب والتبعيد، مع الشبه المحفوظة والمماثلة الظاهرة.

ودع هذا، إذا كان المنطق وضعه رجل من يونان على لغة أهلها واصطلاحهم عليها وما يتعارفونه بها من رسومها وصفاتها، فمن أين يلزم التّرك والهند والفرس والعرب أن ينظروا فيه ويتخذوه قاضيا وحكما لهم وعليهم، ما شهد لهم به قبلوه، وما أنكره رفضوه؟

قال متّى: إنما لزم ذلك لأن المنطق بحث عن الأغراض المعقولة والمعاني المدركة، وتصفّح للخواطر السانحة والسوانح الهاجسة، والناس في المعقولات سواء ألا ترى أنّ أربعة وأربعة ثمانية سواء عند جميع الأمم، وكذلك ما أشبهه.

قال أبو سعيد: لو كانت المطلوبات بالعقل والمذكورات باللفظ ترجع مع شعبها المختلفة وطرائقها المتباينة إلى هذه المرتبة البيّنة في أربعة وأربعة وأنّهما ثمانية، زال الاختلاف وحضر الاتفاق، ولكن ليس الأمر هكذا، ولقد موّهت بهذا المثال، ولكم عادة بمثل هذا التموية.

ولكن مع هذا أيضا إذا كانت الأغراض المعقولة والمعاني المدركة لا يوصل إليها إلا باللغة الجامعة للأسماء والأفعال والحروف، أفليس قد لزمت الحاجة إلى معرفة اللغة؟ قال: نعم. قال: أخطأت، قل في هذا الموضع: بلى. قال: بلى، أنا أقلّدك في مثل هذا. قال: أنت إذا لست تدعونا إلى علم المنطق، إنما تدعو إلى تعلم اللغة اليونانيّة وأنت لا تعرف لغة يونان، فكيف صرت تدعونا إلى لغة لا تفي بها؟ وقد عفت منذ زمان طويل، وباد أهلها، وانقرض القوم الّذين كانوا يتفاوضون بها، ويتفاهمون أغراضهم بتصاريفها، على أنّك تنقل من السريانية، فما تقول في معان متحوّلة بالنقل من لغة يونان إلى لغة أخرى سريانيّة، ثم من هذه إلى أخرى عربية؟

قال متّى: يونان وإن بادت مع لغتها، فإن الترجمة حفظت الأغراض وأدّت المعاني، وأخلصت الحقائق.

<<  <   >  >>