ويقابل هؤلاء القسم الثانى: المعرضون عن عبادته والاستعانة به فلا عبادة لهم ولا استعانة، بل إن سأله تعالى أحدهم واستعان به فعلى حظوظه وشهواته، والله سبحانه وتعالى يسأله من في السموات والأرض، ويسأله أولياؤه وأعداؤه، فيمد هؤلاء وهؤلاء. وأبغض خلق الله إبليس، ومع هذا أجاب سؤاله وقضى حاجته «١» ومتّعه بها، ولكن لما لم تكن عونا على مرضاته كانت زيادة في شقوته وبعده.
وهكذا كل من سأله تعالى استعان به على ما لم يكن عونا له على طاعته كان سؤاله مبعدا له عن الله. فليتدبر العاقل هذا، وليعلم أن إجابة الله لسؤال بعض السائلين ليست لكرامته عليه، بل قد يسأله عبده الحاجة فيقضيها له وفيها هلاكه ويكون منعه منها حماية له وصيانة، والمعصوم من عصمه الله، والإنسان على نفسه بصيرة.
وعلامة هذا أنك ترى من صانه الله من ذلك وهو يجهل حقيقة الأمر إذا رآه سبحانه وتعالى يقضى حوائج غيره يسىء ظنه به تعالى وقلبه محشو بذلك وهو لا يشعر. وأمارة ذلك حمله على الأقدار وعتابه في الباطن لها، ولقد كشف الله تعالى هذا المعنى غاية الكشف في قوله تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ. كَلَّا
«٢» أى ليس كل من أعطيته ونعمته وخولته فقد أكرمته، وما ذاك لكرامته عليه، ولكنه ابتلاء منى وامتحان له أيشكرنى فأعطيه فوق ذلك أم يكفرنى فأسلبه إياه وأحوله عنه لغيره، وليس كل من ابتليته فضيقت عليه رزقه وجعلته بقدر لا يفضل عنه فذاك من هوانه علىّ ولكنه ابتلاء وامتحان منى أيصبر فأعطيه أضعاف ما فاته أم يسخط فيكون حظه السخط، وبالجملة فأخبر تعالى أن الإكرام والإهانة لا يدوران على المال وسعة الرزق وتقديره، فإنه سبحانه وتعالى يوسع على الكافر لا لكرامته، ويقتر على المؤمن لا لهوانه عليه، وإنما يكرم سبحانه وتعالى من يكرم من عباده بأن يوفقه لمعرفته ومحبته وعبادته واستعانته. فغاية سعادة الأبد في عبادة الله والاستعانة به.
[القسم الثالث:]
من له من نوع عبادة بلا استعانة وهؤلاء نوعان:
أحدهما: أهل القدر القائلون بأنه سبحانه وتعالى قد فعل بالعبد جميع مقدوره