فإذا كانت السموات والأرض إنما خلقت لهذا وهو غاية الخلق، فكيف يقال أنه لا غاية له ولا حكمة مقصودة أو أن ذلك بمجرد استئجار العمال حتى لا يتكدر عليهم الثواب بالمنة، أو لمجرد استعداد النفوس للمعارف العقلية وارتياضها لمخالفة العوائد.
وإذا تأمل اللبيب الفرق بين هذه الأقوال وبين ما دل عليه صريح الوحى علم أن الله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبته مع الخضوع له والانقياد لأمره.
[محبة الله أصل العبادة:]
فأصل العبادة محبة الله، بل إفراده تعالى المحبة، فلا يحب معه سواه، وإنما يحب ما يحبه لأجله وفيه، كما يحب أنبياءه ورسله وملائكته لأن محبتهم من تمام محبته وليست كمحبة من اتخذ من دونه أندادا يحبهم كحبه.
وإذا كانت المحبة له هى حقيقة عبودية وسرها، فهى إنما تتحقق باتباع أمره واجتناب نهيه، فعند اتباع الأمر والنهى تتبين حقيقة العبودية والمحبة.
ولهذا جعل سبحانه وتعالى اتباع رسوله صلى الله عليه وسلّم علما عليها وشاهدا لها كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
«١» فجعل اتباع رسوله مشروطا بمحبتهم لله تعالى وشرطا لمحبة الله، ووجود المشروط بدون تحقق شرطه ممتنع.
فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة للرسول، ولا يكفى ذلك حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. ومتى كان عنده شىء أحب إليه منهما فهو الإشراك الذى لا يغفره الله. قال تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ
«٢» .
[تقديم الآراء على نصوص الوحى منافى للمحبة:]
وكل من قدم قول غير الله على قول الله أو حكم به أو حاكم إليه فليس ممن أحبه، لكن قد يشتبه الأمر على من يقدم قول أحد أو حكمه أو طاعته على قوله ظنا منه أنه لا يأمر ولا يحكم ولا يقول ما قال الرسول صلى الله عليه وسلّم فيطيعه ويحاكم إليه