ابن عمر: إن الله- عز وجل- خيّر نبيه صلى الله عليه وسلّم بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والله لا يليها أحد منكم وما صرفها الله عنكم إلا للذى هو خير لكم فارجع، فأبى الحسين، وقال: هذه كتبهم وبيعتهم فاعتنقه عبد الله بن عمر وقال: أستودعك الله من قتيل فكان كما قال ابن عمر «١» ، وكذلك قال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما للحسين: والله يابن أخى ما كان الله ليجمع لكم بين النبوة والخلافة «٢» ، وهذا من فقههما، وقد أشار الحسن بن على رضى الله عنهما إلى ذلك في خطبته لما ترك الخلافة التى صارت إليه بعد أبيه وتنزه عنها وترّفع عن منازعة معاوية رضى الله عنه، فلما دخل معاوية الكوفة أشار عليه عمرو بن العاص أن يأمر الحسين فيخطب الناس ظنا منه أنه يعى، فخطب معاوية ثم أشار إلى الحسن أن يخطب فقام وحمد الله، ثم قال: أيها الناس إن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة والدنيا دول وإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلّم: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ
«٣» .
فلما قالها، قال معاوية: اجلس ونقدها على عمرو وقال هذا من رأيك «٤» فصدق الحسن رضى الله عنه فيما قال.
[فصل: في بيان السر في خروج الخلافة بعد رسول الله ص عن على بن أبى طالب ع إلى أبى بكر وعمر ثم عثمان]
(فصل:) ذهب بعضهم إلى أن السر في خروج الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن على بن أبى طالب إلى أبى بكر وعمر ثم عثمان، أن عليا لما ولىّ الخلافة حينئذ- وهو أبو الحسين- لأوشك أن يقول قائل، ويتخيل متخيل، أنه ملك متوارث لا يكون إلا في آل البيت كما يزعمه الرافضة «٥» ، فصان الله العقائد من هذه الشبهة كما صانها من شبهة قول القائل عن النبى صلى الله عليه وسلّم هو رجل يطلب ملك أبيه وهو معنى