الصنف الثانى: القدرية النفاة الذين يثبتون نوعا من الحكمة والتعليل لا يقوم بالرب ولا يرجع إليه، بل يرجع لمحض مصلحة المخلوق ومنفعته، فعندهم أن العبادات شرعت أثمانا لما يناله العباد من الثواب والنعيم، وأنها بمنزلة استيفاء الأجير أجره، قالوا: ولهذا يجعلها سبحانه وتعالى عوضا كقوله: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
«٢» هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
«٥» وفي الصحيح: «إنما هى أعمالكم أحصيها لكم «٦» ثم أوفيكم إياها» «٧» .
قالوا: وقد سماها جزاء وأجرا وثوابا؛ لأنه شىء يثوب إلى العامل من عمله أى يرجع إليه.
قالوا: ويدل عليه الموازنة، فلولا تعلق الثواب بالأعمال عوضا عليها لم يكن للموازنة معنى.
[تناقض الجبرية والقدرية:]
وهاتان الطائفتان متقابلتان، فالجبرية لم تجعل للأعمال ارتباطا بالجزاء البتة، وجوزت أن يعذب الله من أفنى عمره في الطاعة، وينعم من أفنى عمره في مخالفته، وكلاهما سواء بالنسبة إليه، والكل راجع إلى محض المشيئة. والقدرية