أما مصر من بين الأمصار، فما برح نقدها المنسوب إليه قيم الأعمال وأثمان المبيعات، ذهبا في سائر دولها، جاهلية وإسلاما، يشهد لذلك بالصحة أن خراج مصر فى قديم الدهر وحديثه إنما هو الذهب كما ذكرته في (كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) فإنى أوردت فيه مبلغ خراج مصر، منذ مصرّت بعد الطوفان، إلى زماننا هذا، ويكفى من الدلالة على صحة ذلك، ما رويته من طريق مسلم وأبى داود رحمهما الله تعالى، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «منعت العراق درهمها وقفيزها «٣» ، ومنعت الشام مدّها ودينارها، ومنعت مصر إردبّها ودينارها» الحديث «٤» فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم كل بلد وما تختص به من كيل، ونقد، وأشار إلى أن نقد مصر: الذهب. وكأن في هذا الحديث ما يشهد بصحة فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فإنه لما افتتح العراق في ست عشرة من الهجرة، بعث عثمان بن حنيف رضى الله عنه ففرض على أهل السواد «٥» على كل جريب «٦» من الكرم عشرة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب والشجر ستة دراهم، وعلى جريب البر أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين، وكتب بذلك إلى عمر رضى الله عنه فارتضاه.
ولما فتحت مصر سنة ٢٠ على القول الراجح، فرض عمرو بن العاص رضى